مأساة غزة من إهمالنا كل شىء

لن يعطى الأقوياء للضعفاء شيئا، ولن ينال الضعفاء احتراما من أحد حتى لو تسولوه. جريمة إسرائيل فى غزة هى تطبيق عملى لهذا المبدأ الذى وضعناه تحت أقدامنا منذ سنوات طويلة.

أعطينا إسرائيل فرصة الانفراد بالمنطقة منذ أن أهملنا كل ما يؤدى إلى الارتقاء بنا شعبا وبلدا، وضعنا العلم والعلماء تحت أقدامنا، وأعطينا الفرصة لأنصاف المواهب فى كل شىء، أعطينا الفرصة للصوص يكتنزون المال فى بطونهم قبل بنوكهم، وتركنا الفقراء يسبحون فى فقرهم، تركنا شبابا فى عمر الزهور تأكله البطالة والحاجة دون الالتفات إلى صبره وصبر أهله، حتى يحصل على شهادة ظنوا أنها ستعينه على الحياة، أهملنا الصناعة التى هى عنوان أصيل لنهضة الأمم وتقدمها، ورفعنا شعار بيع مصانع وشركات تم بناؤها بالعرق والدم، كان البيع شعارا ملهما لمن يملك القدرة على الشراء وهم قلة، وبؤسا لملايين كانت أبواب رزقها مفتوحة من هذه الصروح المشيدة.

أعطينا إسرائيل فرصة تدمير غزة يوم أن تصورنا أنها بوابتنا إلى أمريكا، فوقعنا معها اتفاقيات اقتصادية مثل اتفاقية الكويز، وتصدير الغاز إليها بأسعار بخسة لا تساوى ثمن استخراجه، ونجد من يدافعون عن ذلك، أعطيناها ونعطيها كل يوم يمر، دون أن نحقق فيه حياة ديمقراطية سليمة عبر انتخابات حرة نزيهة تحقق تداول السلطة، وأعطيناها يوم وضعنا ثقتنا فى أحزاب ورقية فقدت وتفقد أى رصيد شعبى لها، لأنها لا تملك من الكلام إلا أحسنه، ومن الفعل إلا أسوأه.

لا استثناء للأنظمة العربية فى هذا الهوان والذل، رغم خدعة المظاهرات التى تحركها، والمساعدات التى ترسلها إلى أهل غزة أثناء حصارهم، فمعظمهم يفتح لإسرائيل أحضانها علنا، والباقى يتحدث معها سرا، والكل يبحث عن غطاء يحفظ عرشه، والمأساة أنهم يتصورون أن الغطاء الإسرائيلى هو الضمان، وليس غطاء شعوبهم.

ستبقى إسرائيل فى غيها وصلفها، مادامت الشعوب العربية لا تملك كلمتها، ومادامت الإرادة العربية مسلوبة، وتنتظر كلمتها من الباب العالى فى واشنطن، مأساة غزة هى كل مآسينا السابقة واللاحقة، وإن تركناها دون مراجعة الذات والسياسات فستكون كغيرها من المآسى السابقة التى حشرتنا فيها إسرائيل، وأفقدتنا الثقة فى أى غد مشرق نحلم به.