أكرم القصاص - علا الشافعي

فاطمة ناعوت

المرأةُ، كبشُ الفداءِ اليسِرُ

الخميس، 01 يناير 2009 11:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عدتُ ليلةَ الخميس الماضى من سَفرة سريعة لدولة الكويت لحضور افتتاح مهرجان القُرين الثقافى. وما أن حطّتِ الطائرةُ رحالَها على أرض الوطن، وبدأ هاتفى فى استقبال الإشارات الخلوية، حتى انهالت علىّ الاتصالاتُ والرسائل! فقلتُ لنفسى، (أشجِّعُها): افتقدَكِ الوطنُ يا بنت، وها أصدقاؤك يسألون! لكن ثقتى بنفسى كانت أكبر مما ينبغى، فلم تكن رسائلَ مستوحشةً حامِدةً اللهَ على سلامة الوصول، بل، لدهشتى، وجدتُ رسالةً تقول: «سندافع عنكِ فلا تحزنى ولا تهتمى، اعلمى أن لك قراءً يحبونك!» ولم أفهم. وبعد برهة كلمنى المُرسل فقلتُ له: تدافع عنى ممَ؟ كأننى متهمة! كان أحد القرّاء الذين تصفحوا لتوّهم جريدة «اليوم السابع»، التى تُبَثُّ على الشبكة مساء الخميس من كل أسبوع، واستنكروا بعضَ تعليقاتٍ شرسة حول مقالى: «لمثل هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ».

قلت له: لا أحتاجُ دفاعا، فليكتبْ مَن يشاءُ ما يشاء. أرحّب بمن يختلف معى فى الرأى، وربما أتعلم من هذا الاختلاف. فهالنى أن قال: يا أستاذة لَيْتهم ينتقدون مقالك، بل هم يعرضون بكِ أنتِ كامرأة! فابتسمتُ بحزنٍ وقلتُ له إذن لن أقرأ ما كُتب. والحقُّ أننى بالفعل أترفّعُ عن قراءة أى هجوم خارج القضية، أعتبرها تُرهات لا تستحقُ وقتَ قراءتها.

قبل أعوام تفرّغ أحدُ الصحفيين لمطاردتى فى الصحف الصفراء التى يتعامل معها. فتهاتفنى صديقةٌ تقول: فلان مهاجمك النهارده! فأسألُ: هل كتبَ نقدا حقيقيا يخصُّ تجربتى الشعرية؟ تقول لا، بل كلام عبيط مثل أنكِ هبطت بالبراشوت من عالم الهندسة إلى دنيا الأدب، وأولى بك الذين تخرجوا فى كليات الآداب، وأن النقّاد يحتفون بتجربتك لأنكِ امرأة الخ. فأقولُ لها: إذن فليأكل بعضَه، ولن أقرأ ما كَتب. العُملةُ الوحيدةُ بيننا، نحن الكتّاب، هى قيمةُ ما نكتب، وما عدا هذا لا يستحقُ القراءة. حين ينقدُ تجربتى، بالسلب أو بالإيجاب، سأحترمه وأقرأ ما كتب.

تقول سيمون دو بوفوار، الناشطةُ النسوية الفرنسية الشهيرة، ورفيقة درب جان بول سارتر: «المرأةُ تولدُ إنسانا، لكنَّ المجتمعَ يجعلُها امرأة!» بما يعنى أن المجتمعَ يضعها بين قوسيْن لمجرد أنها أنثى. وما أسهل النَيْل من امرأة لو أغضبتنا، بأن نلوكها بألسننا! وحين نتأمل أن تلك المقولةَ فرنسيةٌ، نبتسم! فأيُّ قولٍ يمكن أن يُقال فى مجتمع عربيّ يرى المرأةَ كائنا ناقصًا؟ حينما يرتشى رجلٌ أو يَقتل أو يسفح أو يسرق، لا ننعته بأنه رجلٌ غيرُ فاضل أو غيرُ شريف. بل نقول إنه خرج عن القانون أو العرف أو الدين. وإذا أزعجنا رجلٌ نزيه لم يرتكب ما سبق لابد أن نلفّق له تهمةً مُحكمة لكى يوقفَه القانون، فنتخلصُ منه. لكن التخلصَ من امرأة مزعجة لنا أسهلُ من ذلك جدا. لا حاجةَ لتلفيق تهمة. فالتهمةُ جاهزةٌ ناضجةٌ تطيبُ للآكلين. أليستِ امرأةً؟ يعنى: مركزُ غوايةٍ متنقل. ليس أسهل من أن يشير أحدهم باطلا أنها كذا، حتى تنهالَ عليها الأسنانُ والأنيابُ.

والكلُّ مُتعطّش، من أسفٍ، لأن يصدق أىَّ شىء فى أيّة امرأة، سيما إن كان بها بعضُ ملاحةٍ أو جمال. وكلنا شهد كيف نالتِ الأنيابُ القذرة من الجميلة، شكلا ومضمونا، «جميلة إسماعيل»؛ لأنها كائنٌ مزعجٌ لبعضهم. وكيف لا؟ أليست امرأةً جميلةً مثقفةً واعيةً، لها هَمٌّ سياسىٌّ ومشروعٌ حِزبىٌّ؟ والأخطرُ أن لها زوجا مُعتقَلا تقاتل من أجل حريته؟ والمحزنُ أن لها دورا خيريا رفيعا كانت تقوم به إزاء أبناء دائرة باب الشعرية، ذلك الحى الفقير الذى كان يحتاج إلى يدها البيضاء، لكنهم أجهضوا دورَها باستلاب طاقاتِها فى الدفاع عن حياة زوجها الحبيس المريض، وجمّدوا نشاطَها الطيبَ بتشتيت قواها فى الذود عن شرفها. ذلك الشرفُ الذى لن ينالَ منه سمٌّ زلقٌ مريض يسيل من ألسنٍ عَكرة، تتدرب كلَّ يومٍ على الركاكة.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة