د. حســـــــام بـــــــدراوى يكتــــب للـــــيوم الســـــابع: الأمــــل فــــى الإصـــلاح

الأربعاء، 06 أغسطس 2008 06:26 م
  د. حســـــــام بـــــــدراوى يكتــــب للـــــيوم الســـــابع: الأمــــل فــــى الإصـــلاح الدكتور حسام بدراوى - تصوير عصام الشامى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الريادة والقيادة لا تتمثل فقط فى تحديد الرؤية ووضع السياسات، بل فى ترجمة ذلك إلى واقع ملموس يحقق الأهداف ويغير الأحوال، لذلك أربط فى تقديمى هذا: الأمل بالعمل، الرؤية بالإنجاز، والوعد بالتنفيذ.

فى البداية أود أن أؤكد أن أطر الإصلاح كلها متداخلة، ولا يمكن أن يكون الإصلاح جزئياً، بل لابد من أن تحوط نظرة الإصلاح جوانبه كلها فى وقت واحد، سواء أكان ذلك سياسياً أم اجتماعياً أم اقتصادياً أم ثقافياً. إن تماسك الإصلاح واستدامته يرتبط بالتنمية فى جميع مجالاتها، وبالرغم من أن صوت الدعوة إلى الإصلاح السياسى هو الأعلى بين الأحزاب والقوى السياسية المختلفة، إلا أن ذلك لا يجب أن يلهينا عن أن البنية الأساسية لعملية الإصلاح تبدأ وتستمر وتتواصل بالتنمية الإنسانية، وأن التعليم هو مدخلها الرئيسى.

إن الإنسان هو الأساس، والقدرة التنافسية لأى مجتمع تعتمد فى النهاية على مجموع قدرات أفراده، والتى تتضاعف قيمتها بالعمل الجماعى والمشاركة الفعالة وأن وظيفتها الأولى هى بناء القدرات وتوفير الفرص، وأن نجاحاً كمجتمع هو أن نترك الحرية للأفراد للاختيار بين فرص متعددة.. بنزاهة ومساواة فى الحقوق.

إن الاختيار هو موضوع الساعة، إننا نستطيع أن نجعل من كل فرصة أمامنا مشكلة وأزمة، وأن نرى ونكتشف فى كل أزمة تواجهنا فرصاً جديدة يمكن استثمارها والتنمية من خلالها، وسيعتمد ذلك على طريقة نظرتنا إلى الأموال ومعالجتنا للواقع الذى يطرح فرصاً متعددة، للانتقال إلى عهد جديد من الديمقراطية والحرية.

إن مشروع الإصلاح ليس مجرد أرقام على ورق ولا جمل صماء ومعانى مجردة، إن روح الإصلاح يمثلها فى النهاية الإنسان وراء الأفكار، أفراد وجماعات وكيانات، يزداد عددها يوماً بعد يوم لتصبح فى لحظة فارقة حجماً يزيد من سرعة الإنجاز، ويؤتى نتائج أعمق وأوسع وأكثر تأثيراً، إن الإصلاح يصبح لا قيمة له، إن ظل حبيس الأوراق بل يمرض ويموت إن لم يخرج إلى الحياة، ويصبح لا معنى له إن كان هدفه هو فوز يحققه فرد أو مؤسسة فى نقاش أو جدل سياسى، أو صوت يعلو على صوت آخر تنافس حول من يكسب الجماهير.. إن الإصلاح المنشود تظهر قيمته التاريخية عندما يصبح حقيقية مفعلة، عندما يتم تنفيذه ليظهر أثره على المجتمع.

أتصور أن هذا لا يمكن تحقيقه بنفس الأفراد ونفس الكيانات التى كانت مسئولة عن شكل آخر وواقع نود تغييره، فكما تتجدد الأفكار، يجب أن تتجدد الوسائل وروح الإصلاح فى المرحلة الجديدة، تحتاج مع الفكر الجديد إلى آليات جديدة.

إن الواقع السياسى المصرى الآن تتحقق فيه مجموعة من العوامل، التى نستطيع أن نستفيد منها كفرصة للتنمية والممارسة الديمقراطية ونستطيع أيضاً أن نركز على سلبياتها ونلطم الخدود، ونرفع الأصوات بالشكاوى والعويل ونجعلها محنة وأزمة تستوعب كل طاقاتنا وتنشر السلبية، والرفض لكل شىء، وعدم الثقة فى أى توجه، والاتهام المتبادل لكل السياسيين إما بالعملة أو النفاق أو السعى وراء المصالح الشخصية.

هذه العوامل هى من وجهة نظرى كالتالى:

1-حراك سياسى واضح يتمثل فى: انتخابات رئاسية ـ تعديلات دستورية ـ صحافة مستقلة وحزبية حرة فى النقد والمساءلة ـ مساحة أكبر من الشفافية والمحاسبة الجماهيرية.
2-انفتاح أكبر على العالم بما يسمح بالمقارنة بالمعايير الدولية فى جميع التوجهات وظهور مؤسسات مجتمع مدنى أكثر تأثيراً مع صانعى القرار، مثل: "اتحاد الصناعات" و"اتحادات الغرف التجارية" و"جمعيات أهلية مؤثرة".
3-حركة سياسية داخل الحزب الحاكم داعمة للديمقراطية، والمساءلة الحزبية، والحوكمة فى إدارة أمور الحزب، ومؤسسة اتخاذ القرارات به بكل ما تتعرض له هذه الحركة من داخل وخارج الحزب من ضربات وصدمات.
4-دخول فئة جديدة تمثل توجهاً فكرياً له فلسفة إلى الحكومة.. وأغلبهم من النخبة ـ التكنوقراطية ـ الناجحة فى العمل الخاص بالرغم من تعارض المصالح أحياناً، والذى يحتاج إلى تعديل.
5-ظهور المجلس القومى لحقوق الإنسان فى الساحة، وارتفاع إيقاع المدخل الحقوقى فى الممارسة السياسية.
6-ظهور وعلانية حركة الإخوان المسلمين السياسية، ودعمها المالى الكبير.. ودعمها الإعلامى من بعض الصحف المستقلة جزئياً أو كلياً، وتحديها الثقافى لمدينة الدولة وحقوق المواطنة، بشكل مباشر أو غير مباشر.
7-الموقف السياسى فى الدول المحيطة بمصر والمؤثر داخلياً عليها "لبنان ـ فلسطين ـ العراق ـ السعودية ـ إيران ـ السودان والصومال ثم ليبيا".

إننى أؤمن بأن هناك ثمانى دعائم رئيسية للإصلاح فى مصر، وهى:

أن يتم تحديد توجهات التغيير الواجب فى المرحلة القادمة فى أربعة محاور:
أ ـ تخفيف سيطرة الدولة وتدخلها المباشر فى شئون الأفراد والمؤسسات، وتشجيع المزيد من المشاركة من أفراد ومؤسسات المجتمع المدنى سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، والسماح بقيام الأحزاب السياسية بحرية والعمل على استيعاب كل القوى السياسية بدون الإخلال بأى شكل بمبدأ المواطنة واحترام الدستور.
ب ـ إحداث تغيير ثقافى فى وجدان المجتمع من بوابة التعليم، لترسيخ قيم المشاركة وزيادة الأعمال وزيادة القدرات التنافسية والابتكار والإبداع والشفافية والتسامح وقبول الآخر المختلف، وتعظيم قيمة التفكير العلمى والعمل كفريق والإحساس والإيمان بالمواطنة كأساس لتوافق فئات المجتمع.
ت ـ إجراء تغيير هيكلى فى الاقتصاد المصرى بهدف تحفيز النمو، واستدامته وتوازنه مع خلق فرص التشغيل.
ث ـ التخلى بصورة جذرية عن نمط التكدس المكثف للسكان فى مناطق جغرافية معينة على طول الشريط الضيق، وإعادة رسم خريطة مصر للحفاظ على الأراضى الزراعية.

تدعيم شرعية دولة الرفاهة:
إن الرؤية المستقبلية لمصر ـ من خلال عقد اجتماعى جديد ـ يجب أن تدعم شرعية دولة الرفاهة من خلال إتاحة سلع وخدمات عامة عالية الجودة، من أجل تحقيق العدالة والكفاءة، وهناك خمس سلع وخدمة عامة مهمة تتيح الحق الدستورى للأفراد فى الحصول على فرص متكافئة والتصدى لفقر القدرات وهى:
1ـ تعليم شامل، عالى الجودة
2ـ رعاية صحية متكاملة، لا تعتمد تقديمها على قدرات الفرد المالية، ولكن احتياجه من خلال نظام مستدام.
3ـ مجموعة متكاملة من الخدمات والتحويلات النقدية للأسر التى تعانى من الفقر المدقع.
4ـ الانتهاء من تقديم خدمات المياه النقية والصرف الصحى لكل المواطنين.
5ـ كل ما سبق جنب مع تحقيق ما يتماشى مع الواقع المصرى، من أهداف الألفية الثانية لجميع المواطنين ذوى الدخل المنخفض، وبالذات القضاء على الفقر وتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين اٍلمرأة وكفالة الاستدامة البيئية وإقامة شراكة عالمية من أجل التنمية.

النمو المتوازن والمستدام المقترن بزيادة فرص التشغيل:
يجب أن يقترن النمو بإعطاء الأولوية للفئات المحرومة من السكان، وتحويل الزيادة فى الاستثمارات دون التأثير على توازن موازنة الدولة، وذلك للإسراع بتحقيق معدل اقتصادى يبلغ أكثر من "7%" فى المتوسط على مدى فترة رؤية الإصلاح.
وتشمل القطاعات التى ستقود مسارات التنمية، أنشطة تقليدية وأخرى حديثة، وبعضها ينتج خدمات قابلة للتداول عالمياً، وأخرى تنتج سلعاً وخدمات محلية، وقد تكون الست قاطرات للنمو، المقدمة والتى تراها قادرة على خلق فرص العمل وهى:
1ـ قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة فى الأنشطة الريفية غير الزراعية.
2ـ الصادرات الصناعية كثيفة العمالة والمهارات.
3ـ التصنيع الزراعى غير التقليدى والحاصلات البستانية.
4ـ السياحة.
5ـ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ict والصادرات الخدمية المرتبطة بها.
6ـ الإسكان والتشييد.

تشجيع منح الائتمان لزيادة الاستثمارات والمدخرات المحلية:
تهدف سياسة الإصلاح بأن تقفز المدخرات المحلية من معدلها المنخفض الحالى "حوالى 20% من الناتج المحلى الإجمالى"، إذا استمر الوضع كما هو عليه إلى معدل مرتفع ومستدام، يصل إلى "30%" من الناتج المحلى عام 2015، وذلك بفضل ضخ قدر كبير من التمويل متوسط وطويل الأجل فى الاقتصاد، وسيكون ذلك أفضل وسيلة تشجيع على تنشيط الاقتصاد من خلال منح الائتمان إلى المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وإتاحة التأمين الاجتماعى على العاملين فى هذه المنشآت والتأمين الصحى والتمويل العقارى للفقراء، ويستلزم ذلك العمل زيادة فرص التعلم والتدريب وزيادة الإنتاجية وتقليص العمالة فى الحكومة، إلى جانب وجوبية تخفيض معدلات الزيادة السكانية.

أدوار جديدة لجميع الأطراف المعنية والفعالة واللاعبة "المشاركة المجتمعية":
إن مسئولية جميع المواطنين التى ندعوا إليها يجب أن تقضى على اللامبالاة الحالية لكل المواطنين، وذلك من خلال خلق بيئة تتحقق فيها مبادئ الحرية والديمقراطية واللامركزية، وتتاح فيها الاختيارات وتغرس فيها مفاهيم المساءلة والشفافية من خلال أطر قانونية وأدلة للمواطنين، ويتم فيها تقديم العمل الجيد بإتاحة المستند على الجدارة مع بناء نظم ملائمة للحوافز، وزيادة المسئولية الاجتماعية لأصحاب الأعمال.

التطوير والابتكار وريادة الأعمال عن طريق تقدم البحث العلمى:
إن جميع التوجهات لرسم السياسات المرتبطة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لأى دولة، تستند إلى تحليل علمى للمواقف الراهنة لسياسات العلم والتكنولوجيا، يتم الانطلاق منه إلى المستقبل، فالعلم والتكنولوجيا يمثلان ملتقى لكل السياسات التى تحدد مستقبل كل أمة، وهما فى الوقت ذاته الأدلة الفعالة لتحقيقها، ويبدو جلياً أن الأمة التى تمتلك قاعدة عملية وتكنولوجية راسخة تكون قادرة على مواجهة التحديات، من خلال تسخير كل ما هو جديد من علوم وتكنولوجيات لخدمة التنمية الشاملة. إننا نرى أن مصر تمتلك العديد من المقومات البشرية والعقول الخلاقة فى الداخل والخارج، التى يجب أن تستثمر أحسن استثمار، من خلال البحث العلمى الهادف والتطوير المستمر، وأن يكون البحث العلمى أسلوباً ومنهجاً لدفع عجلة التنمية، وأن تتضافر الجهود البحثية فى قطاعات التعليم والبحث العلمى مع جهود قطاعات الإنتاج والمجتمع المدنى لتحقيق هذا الهدف النبيل.

إصلاح الجهاز الإدارى فى الدولة ومحاربة الفساد ودعم الشفافية "المقصلة".

الحفاظ على البيئة من أجل الأجيال القادمة.

إن التحديات التى تواجه مصر فى المستقبل المتوسط والبعيد، الناتجة عن التغيرات المناخية العالمية، وارتفاع مستوى سطح البحر المتوقع، وأثره على السواحل المصرية، وكذلك تحدى استخدام الطاقة، وقدر ما تأخذه من موازنة ودعم فى الوقت الحالى يستلزم جهوداً تبدأ الآن فى البحث العلمى والابتكار باستخدام الطاقات البديلة، خصوصاً المنتجة من الرياح والشمس، مع توجيه كل الجهود والبحوث أيضاً لاحتمال ندرة المياه فى المستقبل، وهى كلها أمور نرى أنها من الواجب أن تكون فى أولويات رؤية الإصلاح فى الفترة الحالية.

إننا نؤمن بأن المعرفة بوصفها ميزة إنسانية، وطريق لتوسع خيارات المواطنين متصلة بالنمو والعدالة الاجتماعية اتصالاً وثيقاً، بل إن القصور فى معارف وقدرات الأفراد يعطل التنمية الإنسانية بمعناها الأوسع فى مصر، فالمعرفة تمكن الإنسان وتؤهله للتفكير والتحليل والفهم والربط بين المعطيات المختلفة، وتؤهله لتكوين رأيه المتفرد، والتعامل مع المتغيرات، والارتقاء إلى حال أفضل.

إن حق الفرد المشروع فى الوصول إلى المعرفة، والحصول على الفرصة أهم من حصوله على الدعم أو الهبات لتخطى فجوة الفقر والاحتياج. إن العلاقة بين المعرفة والتنمية الإنسانية وحقوق المواطن متشابكة وبالغة الأهمية، فهم جميعاً يعززون بعضهم البعض، حيث إن قاسمهم المشترك هو الحرية، المعرفة والتنمية الإنسانية تخلقان الإمكانية لممارسة الحرية من خلال بناء قدرات المواطنين، وتتضمن حقوق المواطن فى ممارسة حريته المدعمة بالمعرفة.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة