يبلغ ودود بوتر 30 عاما، لكن حياة الحرب فى أفغانستان أرهقته، فقريته الواقعة على بعد 30 كيلو مترا شمال كابول، من أشهر القرى فى صناعة الخزف. اتخذ هذا الشاب ومجموعة من شباب القرية خطوة نحو إعادة إحياء هذا التراث، فمن أنقاض المساكن الطينية التى دمرتها عقود من الحروب، بادروا لإحياء التقاليد القديمة.
تعيش أفغانستان حالياً غياباً حضارياً، بعد أن كانت أرضها مسرحًا لتلاقى الحضارات الآسيوية والأوربية فى العصر القديم. فقد لعبت الحضارات الثقافية القديمة مثل: هرات، وغزنة، وكابول، وقندهار، وجلال أبادو، مزار شريف وغيرها، دوراً ريادياً فى تشكل معالم الفنون الإسلامية فى العصر الوسيط. حتى أن طريق الحرير الذى كان يمر بشبكة الحضارات الأفغانية الثقافية المذكورة، جعلها تشكل الشرايين الحيوية لتلاقى الحضارات على أرض أفغانستان بين آسيا وأوربا، وذلك بفضل موقعها الجغرافى الحيوى وشبكة طرقاتها التى جمعت بين الحضارتين الهندو- إيرانية من جهة, ثم الأخمينيين واليونان إثر حملة الإسكندر المقدونى من جهة أخرى.
الطبيعة الجغرافية لأفغانستان بين سلسلة جبال عالية فى الشمال وصحراء ممتدة فى الجنوب، جعل منها منطقة تلاقى واحتكاك بين ثقافات آسيوية - أوربية عدة، لذلك شكلت أفغانستان على مدار تاريخها الطويل أرض النزاعات، من أجل التوازن السياسى الأوربى – الآسيوى، و تعرضت أفغانستان لحروب كل الدول والإمبراطوريات التى قامت فى آسيا.
بعد الفتح الإسلامى، اختلفت وجهة تطور وفنون العمارة والنحت والرسم والفنون اليدوية اختلافًا جذرياً، حيث حصلت فيها شبه تقاطع مع التراث البوذى - الهندى فى الفنون. فازدهرت فى مدنها الرئيسية معالم الحضارة الفنية الإسلامية ذات النكهة الهندية – الإيرانية، واشتركت مراكز الثقافة الأفغانية إبان حكم الدول الإسلامية لها مع كل من نيسابور، وسمرقند، وبخارى، وفرغانة وخوارزم وشيراز وأصفهان, بصناعة الثقافة الإسلامية ذات الصبغة المحلية المميزة لآسيا الوسطى. ولم تكن مساهمة المدن الثقافية الإسلامية الأفغانية بمنأى عن تطور الأسلوب الفنى الفارسى– الهندى، الذى انبثق فى عهد الدولة العباسية واختطف البريق منها بعد سقوط بغداد بأيدى المغول.
و فى بداية الفتح الإسلامى، كانت أفغانستان عبارة عن مجموعة دويلات شبه مستقلة موزعة بين القبائل الأساسية فيها، حيث فتح العرب هرات عام 652 م، وكذلك سيستان عام 707م، واكتسب الفن الإسلامى عناصر وأساليب زخرفية مستمدة من أواسط آسيا، لم تكن معروفة فى الفن العباسى والساسانى من قبل، نتيجة اختلاط حضارات الفرس والعرب والترك.
لذلك فمحاولة إحياء تراث صناعة الخزف ربما يكون متنفسا لودود ورفاقه، بدلا من استخدام إيدايهم فى حمل السلاح .
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة