مقاومة الاحتلال الأجنبى للأوطان مشرعنة ومقررة على وفق أحكام الضمير العالمى وقواعده المدونة فى صحائف العهود التى أقرتها شعوب الكون. إن معانى درء تدنيس الأغراب للتراب والشرف الوطنى، ومعهما المقدسات، عناصر وجدانية غير قابلة للمساومة، وهى ماضية مع النبض الروحى للأحرار عدا الخونة. من هذا المنطلق أضحت السمات الأساسية لمقاومة المحتل عنواناً لكل الرموز الوطنية بلا منازع؟ فالمأساة الفلسطينية شكلت رمزاً منفرداً لكل مآسى الشعوب المحتلة بسبب ضراوة وشراسة الصهاينة ولبطلان الهدف والحجة المبنية على البطلان التاريخى ذاته الذى يتبجح به أركان الصهيونية العالمية، حول أرض الميعاد.
ما كان بلفور وزير خارجية بريطانية فى مطلع العشرينيات من القرن الماضى صادقاً بوعده، لو أيقن عوامل التصاهر المكونة لديمغرافية الشعوب عبر الزمن، ولكنه أسس نظريته هذه استناداً إلى ما أوعز به هارتزل فى العام 1890، المجنون بهذا الحلم المدمر. وكانت إمبراطورية بلفور سباقة فى التآمر على الصالح العربى، وأقرت دون وازع من ضمير الكيان الغريب لا لكونه شعباً يهودياً متآخٍ مع الجسد العربى منذ آلاف السنين، ولكن منحه صفة الدولة الحاكمة قد أخل بالمعادلة المتوازنة لطبيعة المجتمع العربى الذى تقطنه الغالبية من المسلمين.
والأهم من المهم انفجرت النخوة الفلسطينية ومعها العربية من أجل إنهاء هذا الوضع الشاذ الذى رسمته بريطانيا الاستعمارية، وصارت المقاومة تحتل كل العناوين من حيث أصالة الرفض للطغيان الصهيونى المدعوم من الصليبية المعاصرة حتى العام 1948، حين تأسست الدولة الشاذة والمستهجنة عربياً وإسلامياً. انبثقت على أثرها فصائل جهادية ضد الاحتلال قدمت الكثير من التضحيات الجسام فى سبيل التحرير، والتحرير وحده كان الغاية المثلى بعيداً عن أساليب المزايدة والمتاجرة بهذه القضية المصيرية.
من المؤسف حقاً خضعت مأساة الشعب الفلسطينى إلى المتاجرة عربياً وإسلامياً بدوافع عدة منها لأغراض تثبيت دعائم الحكم لبعض الأنظمة المتهرئة والفاقدة للقواعد الجماهيرية والأخرى المرتبطة بشكل مباشر بالاستراتيجية الغربية المعادية للإسلام. واليوم تترنح القضية الفلسطينية بين أبنائها من جهة والمتاجرين الإسلاميين الجدد الذين فقدوا مقومات التأييد من شعوبهم، كما هو الحال مع النظام الإيرانى الذى أشعل فتيل الحرب الأهلية الفلسطينية وضرب روح المقاومة الحقيقية فى الصميم، من خلال دعمهم لبعض الفصائل الانشقاقية المحسوبة على الإسلام عن الصف الفلسطينى، والتى اتخذت من غزة بؤرة انفصالية بدعم إيرانى واضح.
إن المجزرة التى ارتكبها الكيان الصهيونى بحق المجاهدين فى قطاع غزة يتحمل وزرها نظام الملالى قبل غيره، وإن بيانات الشجب العربى تعد خجولة قياساً بحجم الكارثة التى راح ضحيتها المئات من الشهداء. من المعروف عن قواعد المقاومة والجهاد ضد الغزاة تحكمها عوامل قانونية دولية مبنية على منطلقات انضباطية تجعل من مبدأ المقاوم مرتكزاً جهادياً ومثلاً إنسانياً بعيداً عن التوظيف المصلحى لأغراض سياسية أو دعائية مجتزئة.
وما يحصل فى قطاع غزة يعتبر المثل الأكثر غرابة فى مسيرة العمل الوطنى الفلسطينى، حيث انفردت قوى إسلامية على وحدة الإجماع الشعبى بالتعاون مع أعداء التحرير الحقيقيين من النظام الحاكم فى طهران الذين ما برحوا يتاجرون بهذه القضية المأساوية بدوافع طائفية لعينة بالتعاون والتنسيق مع تلك الفصائل التى فقدت كل معيار وطنى، وانساقت إلى مصالحها الذاتية قبل مصلحة المواطن، والوطن ما انعكس ذلك بشكل مباشر على ماهية المقاومة الوطنية والقومية والتأييد الجماهيرى للشعب العربى.
إن السكوت العربى والدولى على مجزرة غزة بحاجة إلى تقييم مركز من الجهات الإسلامية الأصيلة فى مقارعتها للظلم الاحتلالى والفكر الغربى والفارسى المعادية للأمة العربية، وعليها الرد حسبما تقرره قيم السماء. والله من وراء القصد.
القارئ سفيان عباس يكتب: فلسطين بين المقاومة والضياع
الثلاثاء، 30 ديسمبر 2008 12:27 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة