أكرم القصاص - علا الشافعي

أكرم القصاص

حرب الدعاية ما قبل 11 سبتمبر وما بعدها.. القوة الناعمة بين واشنطن وموسكو

السبت، 14 سبتمبر 2019 07:03 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وقعت هجمات 11 سبتمبر 2001 ضد الولايات المتحدة فى الوقت الذى كانت أمريكا تعيش أكثر مراحلها قوة، والمنظرون يتحدثون عن نهاية «التاريخ»، وسيادة النموذج الرأسمالى الغربى، مرت عشر سنوات تقريبًا على نهاية الحرب الباردة وخروج الاتحاد السوفيتى من عالم القطبية الذى استمر منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية. وواجه عملية تفكك وانفصال لعدد من جمهورياته. وحتى الاتحاد الروسى واجه هو الآخر آثار الضعف الذى عاناه خلال فترة تولى بوريس يلتسين. 
 
استقال ميخائيل جورباتشوف آخر زعيم للاتحاد السوفيتى فى 25 ديسمبر 1991، وأصبحت روسيا دولة ذات سيادة، وظل بوريس يلتسن فى منصبه كرئيس. وأعيد انتخابه 1996 ليستمر حتى الاستقالة فى 31 ديسمبر 1999، اتسم عهد يلتسين بانتشار الفساد، والتضخم والانهيار الاقتصادى ومشاكل سياسية واجتماعية، واستقال يلتسين بعد ضغوط داخلية هائلة، وترك الرئاسة لخليفته المختار، رئيس الوزراء آنذاك فلاديمير بوتين. لتبدأ روسيا عصرا جديدا. 
عندما قرر فلاديمير بوتين استعادة وضع روسيا كقوة، بدا بترتيبات سياسية واقتصادية، والأهم فى إعادة بناء جهاز دعائى يدعم صورة روسيا ويقوى شوكتها فى مواجهة الولايات المتحدة، والقوى الاقتصادية الكبرى فى العالم. 
 
وبينما اعترف منظرو اليسار والمعسكر السوفيتى وعلى رأسهم روجيه دوبريه بالهزيمة أمام الغرب بفضل قوة الصورة فى هدم مثالية النموذج الاشتراكى، حيث لم يسقط سور برلين عام 1989 بالسلاح، ولكن بزرع أشواق الرفاهية والحرية لدى شعوب معسكر شرق أوروبا.. 
 
بعد اختفاء الستار الحديدى، لم تقدم أمريكا واقعا لأساطيرها الملونة خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر، فقد أصابت حروبا وغزوات جورج دبليو بوش، صورة أمريكا بشروخ، ومنحت ثورة التقنية والاتصالات قدرات أكبر ومكنت منافسى أمريكا من توظيف قوتها الناعمة، حيث عرفت روسيا طريقها لاكتشاف تأثير القوة الناعمة، وأن تمتلك قدرة على المساهمة فى حكاية قصة العالم وما يجرى ظهرت روسيا اليوم وسبوتنيك مواقع ومراكز أبحاث.
 
يشير«نيثان جرديلز» و«مايك ميدافوى» إلى شروخ النموذج الناعم لأمريكا، وامتلاك آخرين لهذه القدرات، وهو ما يظهر فى صعود صورة روسيا ووجودها على سطح الأحداث والتأثير، ويرى المؤلفان كتاب «الإعلام الأمريكى بعد العراق.. حرب القوة الناعمة»، الصادر عن مركز الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة، أن موسكو بوتين تبدو كأنها التقطت ما خلفته سياسات أمريكا وحلفاؤها وأن بوتين استعاد سلاح الدعاية ليمثل أحد أهم قدرات روسيا فى سباقات النفوذ ما بعد الحرب الباردة. 
 
عرف فلاديمير بوتين أن أمريكا كسبت الحرب الباردة بالدعاية، واكتشف حاجته لأذرع إعلامية دعائية، وبدأ ما سماه المحللون الأمريكيون بـ«الثورة الدعائية ما بعد الحرب الباردة». وظهرت شبكة روسيا اليوم RT، 2005، باللغات الإنجليزية والعربية والإسبانية، والألمانية والفرنسية، وغيرها، وتجاوز عدد مشاهديها 2017 مئات الملايين، وسجلت عام 2015 700 مليون فى أكثر من 100 دولة، وظهر الموقع الإخبارى «سبوتنيك»، عام 2012، وبدا مثيرا للدهشة أن تكون أدوات حديثة العهد قادرة على هزيمة ترسانة دعائية عريقة، حيث اعترف إدوارد رويس رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب فى معرض الشكوى من ضعف التأثير الدعائى الأمريكى بالفشل أمام الإعلام الروسى فى أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية من خلال قنوات RT، وكان هذا الفشل مثار نقاش انتهى بدعوة لإعادة تصنيف وكالات الإعلام إلى عملاء أجانب، فيما بدا استعادة لأدوات كانت تنتقدها أمريكا سابقا عندما كانت تصدر من دول المعسكر السوفيتى، وهو إعادة للحرب الباردة بشكل معكوس.
 
ويلفت البروفيسور الأمريكى جوزيف ناى فى كتابه «القوة الناعمة وسيلة النجاح فى السياسة الدولية» إلى أن النجاح فى عصر المعلومات، ليس «جيش من الذى فاز، وإنما خطاب من الذى فاز».
 
لقد كسبت أمريكا الحرب الباردة بالدعاية أولا والقوة الناعمة، وأصبحت تشكو من الدعاية الروسية، وتتهم قنوات روسيا اليوم بالتدخل فى السياسة والانتخابات الأمريكية، وهو ما يعد اعترافا بتراجع القدرات الدعائية الأمريكية فى مواجهة روسيا، خاصة أن الولايات المتحدة كانت دائما تملك زمام التفوق فى الدعاية، من خلال صحف وقنوات وإذاعات ووكالات أنباء كانت دائما تخضع للأهداف الأمريكية، بينما هذه الأدوات عاجزة عن مواجهة مجموعة قنوات لا يتجاوز عمرها 12 عاما. كل هذا يعنى أهمية امتلاك أى دولة تريد المنافسة فى عالم اليوم لأدوات دعاية قادرة على تقديم صورة واضحة ومواجهة حملات الهجوم فى عالم تبدو فيه الدعاية أكثر أدوات الحرب تأثيرًا.
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة