تحقيقات وملفات

عائلات فى الشيخ زويد تهرب من جحيم الحرب والاتهام بالتعاون مع داعش.. الأهالى: هجرنا قرانا فرارا من نيران القتل الخطأ وللبحث عن فضاء آمن.. وبيوتنا تهدمت وزرعنا احترق ونقيم فى عشش لا تقى من المطر

الخميس، 11 ديسمبر 2014 10:27 ص

تحقيق - أحمد أبو الحجر - محمد حسين أبوعيطة - تصوير كريم عبد الكريم

اهالى الشيخ زويد

نقلا عن اليومى...

لم يكن «أبو إبراهيم»، المنتمى لقبيلة السواركة، إحدى أكبر قبائل شبه جزيرة سيناء يتمنى أن يترك بيته ودياره ويرحل عنها، بعدما عاش فيها منذ مولده، حيث عاش مراحل عمره المختلفة كما عاش تقلبات التاريخ وتعاقب مراحله ويتذكر كل ذكرياته فيها ويقول عنها إنها لن تنسى.

أبو إبراهيم البالغ من العمر سبعين عاما ومعه عائلته المكونة من 10 أفراد رحلوا من منزلهم نازحين من ديار سكناهم بقرية التومة جنوب مدينة الشيخ زويد، بعد أن تعذر العيش فيها متجها إلى أقصى غرب مدينة العريش فى الكيلو 17 ليقيم هناك.

كانت قوات الجيش قد قامت بعدد من الحملات الأمنية القوية على عدد من قرى جنوبى مدينتى الشيخ زويد ورفح الحدوديتان بمحافظة شمال سيناء من بينها قرى التومة وأبو لفيته واللفيتات والمهدية والمقاطعة، التى تقع على خط متوازٍ جنوب مدينتى الشيخ زويد ورفح، بعد تغلغل تنظيم بيت المقدس بتلك القرى منذ نحو العامين.

وكما تشتت عائلة أبوإبراهيم تشتت أسر تلك القرى باحثة عن عيشها أمنها بعيدا عن طلقات المدافع وتحركات المجنزرات بعدما فقدت العديد من العائلات أطفالها وبيوتها فى حرب لا طاقة لهم بها، لقد قررت هذه العائلات الخروج الآمن من هناك، فأصبحوا نازحين وهاربين من الموت، مكلومين بفجيعة ترك الديار والمتاع والأرض قسرا، حيث لا خيار ثان أمامهم سوى الفرار من أتون المعركة إلى فضاء الأمان، يتحسرون على يوم كانت فيه ديارهم آمنة من شر الإرهاب، فصاروا من بعد التنعم فى الدور والقرى ليسكنون العشش ويفترشون الأرض ويلتحفون السماء.

لم تجد تلك الأسرة بأطفالها سوى عشة صغيرة أو كما يسمونه «خص»، حوائطها مكونة من الجريد المتهالك وعيدان القش المجدول تغطى أجزاء منها طبقة بلاستيكية، ولها سقف متهاوى يرشح لداخله مياه المطر، الذى يغرق سيناء من يوم لآخر، تجاور هذه العشة نحو 8 عشش أخرى استوطنها أهالى ثمانى عائلات قادمين من قرى الشيخ زويد ورفح، وبجوار كل عشة سياج دائرى من جريد النخل بداخله تربط الدواب من الأغنام والماعز التى أصبحت رأسمالهم الوحيد فى غربتهم عن أرضهم التى تركوها.

يستند أبوإبراهيم بظهره إلى حائط المقعد الرملى راميا أمامه عكازه الخشبى، مشيرا إلى الطريق الدولى العريش رفح قائلا: الإرهاب والانفجارات خلفنا فى كل مكان، ويكمل بعد تنهيدة عميقة: هربنا من «الطخ» وضرب النار فى منطقتنا بقرية التومة حتى استقر بنا المطاف هنا على أطراف العريش، إلا أن الإرهاب رفض تركنا، مفسرا ذلك بحدوث انفجار عبوة ناسفة تم زرعها على جانب الطريق ليلة الأمس، وهو ما أحدث استنفاراً أمنيا وإغلاقا للطرق بحثا عن الجناة.

يجول بعينيه فى اتجاه الطريق مترقبا لأى قادم غريب مدنى أو أمنى، ثم يأخذ رشفة من كوب شاى ويتابع عن الأوضاع فى قريته «التومة»: «كنا هناك مبسوطين بجوار زرعنا ومنازلنا ومدارس أطفالنا إلا أن القلق تسرب إلى نفوسنا بعد قدوم «الدقون» الغرباء عن سيناء إلى منطقة التومة»، مشيرا إلى عناصر تنظيم بيت المقدس الذى أعلن مبايعته لتنظيم الدولة الإسلامية العراق والشام «داعش» ثم يضيف: استوطنوا القرية وبدأوا فى استقطاب أهلها بعبارات دينية، ثم التهديد قائلا: «نتبعهم أو أن يتم ذبحنا»، واختبأوا بمدرسة القرية وعدد من المنشآت الحكومية منها الوحدة المحلية للقرية حتى أصبح اسم القرية يتردد، باعتبارها وكرا للإرهاب، وهو ما جعل قوات الجيش لا تغيب عن القرية بل تداهمها بين الحين والآخر بحثا عنهم ولكنهم يفرون ويعاودون الظهور إذا ما غادرت القوات.

ينكفئ للأمام راسما على الأرض رسما كروكيا يشير إلى حصار الأهالى بين العناصر المسلحة من الخلف وبين دبابات الجيش من الأمام، ويكمل: أصبح الوضع مأساويا، هنا قد يتم اغتيالك من أفراد التنظيم بدعوى تعاونك مع الجيش، على الرغم من عدم حدوث هذا التعاون أو أن يتم قتلك من الجيش عن طريق الخطأ، فأصبحت بيوتنا ملعبا مفتوحا للعمليات العسكرية، فتهدمت البيوت وأحرقت الأشجار وترك الأطفال مدارسهم وانعدمت سبل الحياة هناك.

إبراهيم يكمل ما بدأه والده قائلا: نقف خلف جيشنا بحب، مضيفا: «اللى يكره جيش بلاده الدفن حيا أولى به»، مكملا: »لم يطلب أحد منا الرحيل لكن الحياة هناك مأساة صعبة جدا«.

يعد إبراهيم «45 عاما» على أصابع يده حتى يصل إلى الرقم 6، ويقول: نحن هنا منذ 6 أشهر وتحديدا منذ منتصف شهر رمضان الماضى، حين اشتدت المعارك بين الجيش والعناصر المسلحة، وأصبح الاشتباك بين الطرفين يتم بشكل مستمر، حتى أصبحت أصوات دانات المدافع والانفجارات ومشاهد الجثث مألوفة، وهو ما اتبعه هدم بيوتنا وحرقها، إلا أن أحدا لم يعيرنا انتباها منذ أن وطأت قدمنا هذه الأرض.

ويضيف: نعيش على معونات أهل الخير وحملات تطوعية يقوم بها شباب المدينة موضحا: «لم يزورنا مسؤول من يومها لا من المحافظة ولا من مجلس مدينة العريش، الله يفك علينا اليوم قبل بكره عشان نرجع قريتنا ومش عايزين لا مسؤول ولا غيره».

على النقيض من سابقيه يتحدث عايد الذى يقول: نحن ضحايا الحرب وأصبحنا فى عداد الموتى والقتلى، و أرضنا هناك فى الشيخ زويد يتعذر علينا الوصول إليها بسبب إغلاق الطرق المؤدية إلى هناك، فالطريق الدولى العريش رفح فى قبضة الجيش والتفتيش ذاتى، ويتم معاقبتنا على أن بطاقتنا الشخصية مكتوبة فيها إننا من أبناء الشيخ زويد، فيتم التأكد من هويتنا أو التوقيف للتحقيق فى مقرات أمنية، وسؤالنا: هل رأيت أحدا من المسلحين هل تعرفهم، موضحا: قد يكون مر على ذلك نحو 4 ساعات، وهو ما يستدعى العودة مرة أخرى إلى العريش قبل حلول مواعيد حظر التجوال المفروضة بصرامة منذ نحو شهرين.

عايد الذى يبلغ من العمر نحو 35 عاما يقول: نعيش مهمشين ونتحمل أخطاء أنظمة سياسية متعاقبة على حكم مصر، ونحارب الإرهاب مع الجيش، وكل ذلك لم يشفع لنا لدى الأجهزة الحكومية بالمحافظة.
ويكمل: نحتاج لمقومات الحياة الأساسية أقلها غطاء بلاستيكى«قطعة نايلون» لنضعها على سقف العشة، لحماية الأطفال من المطر والبرد، نحتاج أنبوبة غاز وأغطية، نحتاج نقل أولادنا إلى مدارس العريش قائلا: «ما فى إمكانيات لإقامة حياة هنا، تدمع عيناه رافعا رأسه للسماء ربنا أحن علينا منهم».

«حلمى» الشيخ المسن الذى تجاوز عقده الـ5 تظهر على وجهه علامات الحزن، يحكى عما اضطره للرحيل من قريته قائلا: «الخربطة» كتير والضرب شغال باستمرار والشباب قرروا الرحيل خوفا على أطفالهم بعد أن تساقط شعرهم خوفا وفزعا من الحرب، ونساؤهم اللواتى رمين أجنتهن من أرحامهن نتيجة إجهاضهن أثناء الهروب والخروج متعجلين من منازلهم ليلا خلال العمليات الأمنية خشية سقوط دانة على البيت وتهدمه فوق رؤوسهم، وهناك من تم إجهاضها لعدم قدرتها على الاستمرار فى الحمل وتعبهن المستمر نتيجة انقطاع الخدمات الطبية عن القرية».

و فى سياق متصل، فإن حلمى الذى يسكن على بعد نحو 3 كيلو مترات من مكان إقامة عائلات قرية التومة مع 11 عائلة أخرى من قرى المهدية والمقاطعة وأبو شنار راحلين طمعا فى حياة آمنة يقول: بعدنا عن الدوشة ولم يبق هناك سوى عائلتين أو ثلاثة على الأكثر بالقرية التى كان يتجاوز تعدادها نحو 2000نسمة تقريبا.

حينما تبدأ «الزنانة» «الطائرة بدون طيار» فى الرصد يبدأ أطفال «عواد» الثلاثة فى وصلة بكاء هستيرى ونوبات تشنج وتبول لإرادى لا تنقطع إلا بعد اختفاء الطائرة وانتهاء صوتها, وهو ما أجبر عواد الشاب, الذى لم يكمل عقده الثالث بعد, على الرحيل من قريتهم حفاظا على أطفال معرضين للموت فى أى وقت.
عواد الذى أنهى تعليما متوسطا بمدينة الشيخ زويد يلوم الدولة المصرية التى تركت الإرهاب يستفحل فى المنطقة الحدودية، ثم فاقت على كابوس سيطرت الجماعات التكفيرية على الأرض والعقول، قائلا: الحكومة تهمش المواطن السيناوى وترفض إشراكه فى الحل للخروج من النفق المظلم على الرغم من أنه فى الأصل هو الحل.

الفارون من رفح
لا يتساوى الفارون من أرض المعارك بقرى الشيخ زويد ورفح مع المرحلين من الشريط الحدودى المصرى مع قطاع غزة بعد قرار إقامة منطقة عازلة لمنع الأنفاق، فالفارين من مناطق العمليات رحلوا ولم يعيرهم أى مسؤول أدنى انتباه، رغم استغاثاتهم بالمسؤولين وكأن هؤلاء المسؤولين يرفضون إعطاءهم فرصة للحياة مجددا.

أما من يملكون المال أو من استلموا التعويضات، فقاموا بشراء منازل جاهزة، وآخرون من بينهم اشتروا أراضى وشرعوا فى البناء وتشييد أحياء جديدة خاصة بهم، وذلك فى مناطق غرب العريش بالمساعيد وظلال النخيل، والحى الإدارى وشارع الخزان بساحل البحر وحى عاطف السادات والعبور.

«رامى فارس»، المقيم بحى عاطف السادات بالعريش، أكد أنهم يشترون أو يستأجرون بشكل جماعى فى مكان واحد بهدف أن يكونوا قريبين من بعضهم البعض، لأن هذا ما عاشوا عليه فى منازلهم التى دمرت برفح، ويسعون أن يتوفر فى حياتهم الجديدة، مشيرا إلى أنهم وفروا قاعة موحدة كديوان يجمعهم يوميا.
ويتابع سعيد الشاعر، من سكان ساحل البحر، التعويضات المالية التى حصل عليها بعضنا لا تكفى لشراء أرض وبناء منزل، لذلك اشتركنا كمجموعات فى شراء أراضٍ لنقيم عليها منازلنا متجاورة تماما كما كنا فى رفح.

ويعتبر «وليد مصطفى»، أن جميع البدائل لن تكفيهم لتعويض منازلهم التى هجروها فى رفح، بعد أن أصبحت أكوام أحجار مفتتة، وأصبحوا فى المناطق التى هاجروا إليها لعبة فى يد سماسرة العقارات، وهم نزلاء بمناطق تختلف فى عاداتها وتقاليدها عن مناطقهم وحتما سيحتاجون وقتا للتأقلم معها.
الجهود الرسمية

حتى كتابة هذا التحقيق لم تنظر أى جهة رسمية للنازحين من مناطق العمليات والمستقرين فى مناطق متفرقة خارج ديارهم منذ نحو 6 أشهر كاملة، حيث انحصرت الجهود الرسمية لمحافظة شمال سيناء ومجلس مدينة العريش على التصريحات بالالتزام بتوفير سبل حياة لهؤلاء، فيما اكتفت بتقديم تعويضات مالية لأصحاب المنازل المدمرة فى نطاق المنطقة العازلة على الحدود مع غزة تنفيذا لقرار أصدره رئيس الجمهورية.

اللواء عبدالفتاح حرحور، محافظ شمال سيناء، أعلن أنه تم صرف التعويضات المالية بواقع مبلغ 1200 جنيه عن المتر المربع من المبانى الخرسانية، ومبلغ 700 جنيه عن المتر المربع من المبانى ذات الحوائط الحاملة، مضافا إليها مبلغ 100 جنيه عن المتر المربع من الأراضى المقام عليها مبانى، ومبلغ 900 جنيه للأسرة نظير تأجير مسكن بديل لمدة 3 أشهر.

وأشار إلى أنه بالنسبة لمن غادروا منازلهم بمناطق العمليات تم التنبيه على كل الجهات الخدمية بالعريش بتوفير اللازم لهم، وعلى وجه الخصوص الطلبة فى المدارس المختلفة، حيث سمح بنقل الطلبة ليتمكنوا من الدراسة بمدارس العريش.

وجاء عدم الاهتمام بتوفير تعويضات للمضارين من العمليات والهاربين من محيط أحداثها لأنه لم تصدر قرارات رسمية بإخلاء تلك المناطق حتى الآن، وبحسب مصادر أمنية، فإن من نزحوا إنما نزحوا بمحض إرادتهم بحثا عن مكان آمن، بينما هناك أهالى لا يزالوا قاطنين فى تلك المناطق.

وكان الحضور الوحيد فى مد يد العون لهؤلاء النازحين هو لمجموعة من شباب المتطوعين بشمال سيناء، الذين دشنوا مبادرة شعبية حملت اسم «أهالينا فى سيناء» لخدمة أهالى مدينتى رفح والشيخ زويد الفارين من مواقع العمليات الأمنية ضمت كوادر متطوعين من أساتذة جامعات وإعلاميين ونشطاء المجتمع المدنى.

إسلام عروج أحد المنسقين بالمبادرة، شدد على أنهم لا ينتمون لأى فصيل سياسى، وكل هدفهم خدمة الفارين من جنوب رفح والشيخ زويد، موضحا أنه تم حصر الأسر ومتطلباتهم من أدوات معيشة واحتياجات أساسية، والمبادرة تعتمد فى مساعداتها على التبرعات العينية.

عروج يضيف: تم توفير نحو 450 بطانية وعدد من أنابيب الغاز والمواقد لنحو 25 أسرة، موضحا أنهم يتعاملون مع المشتتين والنازحين فقط دون المرحلين من رفح، مشيرا إلى ضرورة دعم الدولة لهؤلاء، وألا تتركهم فريسة للظروف المعيشية القاسية.

مجدى الشوربجى من المؤسسين بالمبادرة قال: استعنا برجال الأعمال وأهل الخير، بالإضافة إلى المحافظة التى دعمت الحملة بطن ونصف الطن فقط من المواد الغذائية.

وتقول أميرة شعيشع من المؤسسين: إن المبادرة معنية بمساعدة من تركوا منازلهم دون أن يأمرهم أحد بذلك هربا من شدة القصف والعمليات الموجودة بمناطقهم فى الشيخ زويد ورفح والقاطنين حاليا بالعريش، مضيفة: نحن نساعدهم بقدر المستطاع إلى أن تنتهى العمليات ويعودوا لديارهم.

	الدمار فى كل مكان
الدمار فى كل مكان

	الخوف يتملك الأطفال
الخوف يتملك الأطفال

الزرع تأثر بالوضع الأمنى
الزرع تأثر بالوضع الأمنى

بعض الأهالى يقيمون فى عشش
بعض الأهالى يقيمون فى عشش

طفل يلعب
طفل يلعب

	الأهالى يتحدثون عن الوضع
الأهالى يتحدثون عن الوضع

عدد من الأهالى
عدد من الأهالى

	طفل يبتسم رغم الدمار
طفل يبتسم رغم الدمار