أكرم القصاص - علا الشافعي

عباس شومان

بين قرار ترامب وقتل المصلين!

الأربعاء، 07 فبراير 2018 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لطالما رفعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة شعار العدالة والمساواة، وتشدقت بحماية الحريات والدفاع عن حقوق الإنسان ورعاية السلام، وغيرها من الشعارات البراقة التى انخدع بها كثير من شعوب العالم، وخاصة فى منطقتنا العربية مع الأسف الشديد، لكن القرار المتهور الذى أصدره الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشأن القدس الشريف كشف عن الوجه الحقيقى- لمن كان لا يراه - لهذه الدولة، وأظهر استراتيجيتها الاستعمارية وسياساتها العنصرية المقيتة تجاه بقية دول وشعوب العالم، وأسقط عنها ورقة التوت التى طالما تسترت بها، فخسرت ما كانت تخدع به العالم طوال الوقت، وبات العالم ينظر إليها على أنها دولة عنصرية تحركها النزعة الأيديولوجية والهيمنة الإمبريالية ويتحكم فى صناعة القرار بها لوبى منحاز بشكل صارخ وسافر للكيان الصهيونى المسمى بـ«إسرائيل»، وإسرائيل، عليه السلام، براء من هذا الكيان اللقيط وجرائمه وانتهاكاته بحق البشر والمقدسات، ولا أدرى كيف يحق لهؤلاء «الإسرائيليين» الانتساب ليعقوب «إسرائيل»، عليه السلام، وقد خانوا عهده وميثاقه! يقول ربنا عز وجل: «أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِى قَالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ»، فأين هم من هذا العهد والميثاق الذى أخذوه على أنفسهم؟!
 
وثمة شبه كبير- ولعله الأهم فى هذا السياق- بين ما ترتب على قرار ترامب هذا، وما قام به المجرمون الإرهابيون فى سيناء وغيرها من سفك للدماء البريئة وقتل للمعصومين بعمليات إرهابية خسيسة، ولاسيما ما حدث من قتل للمصلين فى الكنائس وفى مسجد الروضة بالعريش؛ فكما كشف هذا القرار الأرعن عن الوجه القبيح والسياسات العنصرية للدولة التى كان يُنظر إليها على أنها دولة الحريات وحقوق الإنسان، فإن ما يرتكبه هؤلاء المجرمون الإرهابيون من جرائم وانتهاكات أفقدهم غطاء مهمًّا طالما تواروا تحته وخدعوا به آلاف الشباب مع الأسف، وهو الادعاء بأنهم يقتلون رجال الجيش والشرطة والسياسة من منطلق دينى، فهؤلاء عندهم كفار لأنهم لا يطبقون شرع الله فى زعمهم، وهم يريدون إعادة المجتمع إلى الإسلام الصحيح الذى يحكم بدولة الخلافة التى يزعمون أنها النظام الأوحد الذى تقره شريعة الإسلام، ويطالبون بتطبيق الشريعة التى يدَّعون تعطيلها! وقد سبق رد هذه المزاعم وغيرها فى مقالات سلسلة التجديد.
 
وعليه، فإن هؤلاء المجرمين بقتلهم المصلين فى الكنائس والمساجد فقدوا هذه المظلة الوهمية التى لم يصدقها العقلاء يوما، والتى لم نفتأ نحذر الناس منها ونصحح ما يدلسون به عليهم، فلا يوجد نص يحتمل- ولو بطريق الوهم وليس الظن- ما يدَّعون كذبًا وزورًا، فقد أمرنا رسولنا الكريم- الذى يزعمون أنه قدوتهم- بالشهادة لمن يعتاد المساجد بالإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان»، ويُفترض بهؤلاء المجرمين- إن كانوا مسلمين عالمين حقًّا- أن يعلموا أن نبى الرحمة محمد- صلى الله عليه وسلم- كان ينهى جيش المسلمين عن هدم المعابد والكنائس، وعن قتل عابد فى صومعته أو امرأة أو شيخ عجوز أو طفل صغير أو قطع شجر، بل نهى عن قتل الحيوانات كذلك، ومن أقواله التى تمثل أعلى درجات الرقى والنبل والإنسانية وإن كانت فى سياق حرب العدو: «لا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلًا صغيرًا، ولا امرأة، ولا تغلوا». ولعل هؤلاء المدَّعين بلغهم ما كان من رسولنا الأكرم حين رأى امرأة مقتولة بين صفوف المشركين؛ حيث قال غاضبًا: «ما كانت هذه لتقاتل!». وقد سار الصحابة- رضى الله عنهم- على نهج قائدهم وقدوتهم، فمن وصايا أبى بكر الصديق ليزيد بن أبى سفيان حين أمَّره على الجيش المتوجه إلى الشام: «لا تقتلن صبيًّا، ولا امرأة، ولا كبيرًا هرمًا، ولا تقطعن شجرًا مثمرًا، ولا تخربن عامرًا، ولا تعقرن شاة ولا بعيرًا إلا لمأكلة، ولا تغرقن نخلًا ولا تحرقنه، ولا تغلل ولا تجبن»، فهل هؤلاء المفسدون فى الأرض المحاربون لله ورسوله أعرف بالإسلام وتعاليمه بحق المسلمين وغيرهم من رسول الإسلام الذى جاء به، ومن صحابته الذين ملأوا الدنيا عدلًا وفقهًا ونورًا؟!
 
ومن ثم، نقول إنه كما خسر هؤلاء الإرهابيون ذريعة طالما تذرعوا بها وكشفوا بجرائمهم الخسيسة عن وجههم القبيح لمن انخدع بشعاراتهم الجوفاء فنهج نهجهم وسار فى دربهم، كذلك فعل ترامب بدولته فأفقدها ما لم يُفقدها إياه رئيس قبله، فقد ظل جميع مَن سبقوه يخفون الوجه الحقيقى للإدارة الأمريكية ببعض التصريحات والتحركات التى لا ترد حقًّا لأصحابه، ولا تنصف مظلومًا من ظالمه، ولا تنقذ ضحية من جلادها، ولا أدل على ذلك فى هذا السياق من لجان السلام ومبعوثى السلام المتعاقبين لرعاية المفاوضات التى لم يفتأ الصهاينة يضعون أمامها العراقيل تلو العراقيل لوأدها، أو على الأقل لتبقى تراوح مكانها دون إحراز تقدم يُذكر أو الوصول لنتيجة، أى نتيجة حتى ولو كانت الاعتراف بأنه لا طائل من تلك المفاوضات العبثية!
 
وعلى ذلك، فإن هذا القرار الجائر إنما ألحق الضرر بأمريكا وبالكيان الصهيونى وليس بالعرب والمسلمين وقضيتهم الأولى، فالواقع أن القدس محتلة قبل قرار ترامب هذا، ولم ولن يتغير وضعها بالقرار، ولعل السقوط المدوى الذى هوى إليه ترامب ودولته «العظمى» فى الهيئات الدولية والمنظمات الأممية- بل لدى أحرار العالم جميعًا- أكبر بكثير مما كان يرجو تحقيقه من وراء هذا القرار، بل إن ما ترتب عليه لصالح العرب والمسلمين أكبر بكثير مما كنا نأمله ونتطلع إليه، وحسبنا منه أنه كشف لنا الوجه الحقيقى لإدارة أكبر دولة فى العالم التى لم تتخلَّ يومًا- ونحن فى الألفية الثالثة- عن أساليبها المعهودة كاستخدام حق البلطجة المسمى بالفيتو فى مجلس الأمن لإحباط مشروع قرار تقدمت به مصر نيابة عن المجموعة العربية ضد قرار ترامب، فوقفت أمريكا بذلك فى صف والعالم بأسره فى صف، وهو ما يعنى أنها قبلت على نفسها ديكتاتورية طالما تغنت بالتصدى لها، بالإضافة إلى أنها لم تتورع عن استخدام أساليب غير معهودة، بل غير مسبوقة فى العلاقات الدولية، كالتهديد العلنى الصريح بقطع المعونات عن المصوتين ضد القرار فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو تعدٍّ صارخ على سيادة الدول، وتدخل سافر فى مصائر الشعوب، وفرض مقيت للوصاية على القرار الدولى، ومع ذلك لم يعبأ بتهديداته غير بعض دويلات صغيرة أعيانا البحث عن مواقعها فى خريطة العالم تبعته فى جرمه طوعًا أو كرهًا، وهو ما يعد انتصارًا للدبلوماسية العربية والإسلامية، وكشفًا لحجم ترامب الحقيقى وتأثيره على الساحة الدولية، فضلًا عن أنه أظهر أنه ما زال فى العالم أحرار لا يرهبهم التهديد ولا يغريهم الترغيب.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة