أكرم القصاص - علا الشافعي

سهيلة فوزى

أنتونى ومارى والسيد ترامب

الجمعة، 19 يناير 2018 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بسذاجة طفولية حاولت يومها الدفاع عن وجهة نظرى فكل ما بدا لى يومها كان مقنعا بل مقنعا جدا.
كان يتحدث العربية بطلاقة ، يحمل ملامح عربية مائة بالمائة ، يكسو وجهه لحية بيضاء نقية كالثلج أضفت عليه مزيدا من الهيبة والوقار. يلعب شخصية مناضل عربى ثائر فى وجه الاحتلال أسد الصحراء "عمر المختار”.   لا مجال هنا للتشكيك هو ممثل عربى طبعا اسمه يوحى أنه ربما يكون لبنانى أو سورى بالتأكيد لن يبعد أكثر من ذلك .
 
 - "اسمه أنتونى كوين واضح يعنى إنه أمريكى والفيلم أصلا أجنبى مدبلج للعربية..  لبنانى أيه.. وسورى أيه ؟"
هكذا رد أخى الأكبر عندما سألته هو أنتونى كوين لبنانى ولا سورى؟
 
لم أعرف يومها معنى كلمة "دوبلاج" التى كررها أخى أكثر من مرة ليدلل على صحة إدعائه بأن الرجل أمريكى ، حاججته يومها بثقة شديدة أن اسم أنتونى كوين ليس دليلا على أنه أجنبى بالعكس. وقذفت فى وجهه باسم واحدة من أجمل نجمات السينما البديعة مارى كوينى.
 
أيقونة السينما التى فضلت العمل خلف الكاميرا فحرمتنا من طلة ساحرة أمامها. انشغلت بالعمل مُركِبة أفلام ومونتيرة لسنوات فكانت واحدة من رائدات المونتاج فى مصر وتركيب الأفلام، ساهمت مارى فى تعليم جيل من المونتيرات منهم على سبيل المثال مارسيل صالح أشهر مونتيرة فى السينما المصرية.
 
 مارى كوينى لبنانية الأصل جاءت إلى مصر مع والدتها بعد وفاة والدها ليلحقا بخالتها المنتجة آسيا. مثلت أول أدوارها فى السينما عام 1929 أمام آسيا فى فيلم "غادة الصحراء".
 
وفى عام 1931 قدمت ثانى أعمالها السينمائية فيلم وخز ضمير مع المخرج أحمد جلال ليشكلا معا إلى جانب آسيا ثلاثيا فنيا لسنوات تكلل بزواج مارى كوينى من أحمد جلال عام 1940 لتوأد بتلك الزيجة الشائعات التى لاحقت آسيا وجلال عن قصة حب بينهما.
 
 بعد عام واحد من الزواج، انفصل الثلاثى الفنى "آسيا- جلال- مارى"  لتتشكل جبهتان مارى وجلال فى جهة وآسيا فى الجهة الأخرى. 
 
أنشأ بعدها أحمد جلال استوديو جلال عام 1944 ليقدم أعماله السينمائية بمشاركة مارى، وبعد وفاته المفاجئة 1947 ظلت مارى كوينى فى مصر تدير الاستديو وترعى ابنها الوحيد نادر الذى أصبح فيما بعد واحدا من مخرجى السينما المصرية المخرج نادر جلال. 
 
فى حوار صحفى يحكى نادر عن علاقة والدته النجمة مارى كوينى باستوديو جلال الذى طالما اعتبرته عالمها الخاص والمكان الذى شهد قصة حبها مع زوجها وشغفها بصناعة السينما، فيتذكر يوم حريق القاهرة الثانى فى 26 يناير 1952. بعد التهام النيران للعديد من المحال التجارية خاصةً المملوكة لأجانب ودور السينما ومنها سينما دولت أبيض، خشيت مارى على الاستوديو، فقررت الدفاع عنه فيقول نادر:
 
وقفت أمى أمام باب الاستوديو يوم 26 يناير 1952 وحملت مسدسا فى يدها استعداد للدفاع عن الأستديو بحياتها قائلة له: "سوف أدافع عن الاستوديو حتى الموت على أرضه".
 
عادت المذيعة للظهور بعد انتهاء الفيلم ، الابتسامة تعلو وجهها كالعادة والأمنيات تعلو شفتيها بأن يكون الفيلم الأجنبى المنتهى لتوه قد نال إعجابنا ، ولم تنس أيضا أن تذكر أن الفيلم من بطولة النجم العالمى أنتونى كوين وإخراج المخرج السورى مصطفى العقاد. انتهى الأمر إذا أنتونى كوين أمريكى وبشهادة ماسبيرو فلا مجال هنا للتشكيك. صحيح أنى كثيرا ما شككت فى تصريحات مذيعات ماسبيرو خاصة عندما تطل علينا إحداهن مُبشرة بعرض فيلم السهرة "بعد قليل"..  هذا القليل اعتدنا أن يمتد إلى نصف ساعة أو أكثر. تعود بعدها المذيعة لتؤكد أن الفيلم سيعرض بعد قليل، فنعرف أنه  سيكون علينا الانتظار من جديد وكلنا ثقة أن الفيلم قادم بالتأكيد.
 
ولد أنتونى كوين فى 21 إبريل 1915 بالمكسيك -فى ولاية شيواوا شمال المكسيك- لأسرة فقيرة. تضطر الأم لاصطحابه معها وعمره لا يزيد عن 6 سنوات، متسللة إلى الأراضى الأمريكية للعمل فى المزارع القريبة للحدود، تسلل غير قانونى لكنه عادة ما يكون تحت سمع وبصر ورعاية السلطات الحدودية فى الجانب الأمريكى رغبة منهم فى توفير عمالة رخيصة لأصحاب المزارع الأمريكيون، العامل المكسيكى المتسلل وضعه القانونى غير سليم وبالتالى يستغل صاحب المزرعة تلك النقطة لإجباره على العمل بأجر زهيد وظروف عمل صعبة. 
كانت أمه واحدة من مئات الأمهات اللائى يبحثن عن أى فرصة ولو ضئيلة لإبقاء أطفالها على قيد الحياة ، وأثناء عملها فى إحدى المزارع عرضت عليها صاحبة المزرعة تبنى طفلها الصغير –أنتونى- مقابل مبلغ مادى مغرى يُعينها على تربية بقية إخوته فى المكسيك ، مقابل تنازلها عنه وعدم رؤيته ثانية.
 
 صمتت الأم للحظات ثم طلبت من السيدة مهلة للتفكير. فى الليل انشغل الطفل الصغير بمصيره المنتظر هل تقبل أمه العرض وتبيعه للسيدة الأمريكية أم تحتفظ به، وبينما هو غارق فى تساؤلاته إذا بيد أمه تجذبه وتشير بيديها إلى فمها تنبهه ألا يصدر أى ضجيج. لملمت الأم طفلها وتسللت به هاربة من المزرعة ومن أمريكا كلها.(1)
عاد أنتونى إلى أسرته فى المكسيك حيث نشأ وتربى، ثم عاد من جديد إلى الولايات المتحدة شابا بإرادته باحثا عن فرصة عمل ومستقبل أفضل، فأصبح واحدا من أهم نجوم السينما الأمريكية. من يدرى ما المصير الذى كان فى انتظاره لو أنه بقى مع السيدة الأمريكية الثرية ربما أصبح واحدا من أصحاب الملايين أو ربما المليارات. أو ربما نشأ مواطنا أمريكيا صالحا يتحدث ويفكر مثل هذا الملياردير الذى هبط على البيت الأبيض فى غفلة من الزمن، فمرة يطالب ببناء جدار عازل على الحدود مع المكسيك لأنه لا يرغب فى دخول مزيد من المكسيكيين والمتسللين من أمريكا اللاتينية إلى بلاده، ومرة أخرى يخرج بتصريحات مُهينة للدول الأفريقية وهايتى متسائلا:
"لماذا نريد كل هؤلاء الناس من أفريقيا هنا؟ هذه حثالة الدول. يجب أن نستقبل مزيداً من الناس من النرويج"
 
مصادر...
(١) بالعربى الجريح لمحمود عوض عن دار المعارف
 
#أنتونى كوين #مارى كوينى #مصطفى العقاد#  عمر المختار #ترامب #أحمد جلال #آسيا
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة