أكرم القصاص - علا الشافعي

فاطمة ناعوت

غزوة المترو.. والمطوّع على الطريق

الأحد، 23 يوليو 2017 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«أفهم أن الدينَ هو حُسنُ العمل وإتقانُه، وقولُ الصدق، ومحبةُ الناس واحترامُهم. أفهمُ أن الإيمان بالله هو عدمُ الفُحش فى الفعل أو القول، وهو الرفقُ بالضعيف، واحترامُ الكبير، ومراقبة الله فى السر وفى العلن. أفهم أن الدين هو العدلُ وعدمُ الانحياز لإنسانٍ دون إنسان. هو نُصرة المظلوم بالدفاع عنه، ونُصرة الظالم بردّه عن ظلمه. أفهم أن الدين هو النظافةُ فى القول وفى الفعل، مثلما هو فى نظافة البدن والمكان. أفهم أن الدينَ المعاملةُ وعدمُ الإساءة للآخر وسوء الظن به. أن نضع أنفسَنا مكان الناس لندرك كيف يشعرون. نحسُّ آلامهم، فنتجنب تزكيتها، وندرك مكامنَ فرحهم فنسعى إلى ترسيخها».
 
العبارة السابقة كتبتُها فى مقال قديم، ذكّرنى بها بالأمس صديقى د. ناجى شوقى، بروفيسور الجيولوجى، حينما لمس حزنى على ما صارت عليه مصرُ من مظاهر التديّن الشكلى الذى بدأ يتغوّل بشراسة فى مفاصلنا، لافظًا جوهر رسالتنا السامية فى الأرض كبشر صالحين، مُهدرًا قيم التحضّر الذى يجعلنا كائنات ممتازة نستحقُّ رهانَ الله علينا أمام ملائكته حين قال : «إنى جاعلٌ فى الأرض خليفة».
 
الشكلانية هى التى دمّرت فى مصر كل شىء جميل. أقصد كل شىء كان جميلا. التهذّب والسمو ونظافة اليد واللسان والقلب واحترام الطريق والخضرة والجمال، واحترام الآخر وتبجيل قيمة المرأة والطفل والمُسّن. السكلانية هى التى تجعل موظفًا يفتح درج مكتبه ليمرّر معاملةً غير قانونية، ثم يفرّ من عمله مبكرًا عن موعد الانصراف القانونى، ثم يلقى بشىء من قمامة فى الطريق، ثم يبصق على حائط، لكنه لا ينسى أن يشترى كتيّب أدعية وأذكار من الباص، ثم يحاول أن يحفظ بعضها ليرددها بصوت عال فى العمل فى اليوم التالى، فيردد الجميع من ورائه: «الله الله، ربنا يزيدك إيمانًا وهدىً». التدين الشكلى هو ذاته الذى جعل مسؤولا يوافق ويسمح وينفذ تلك المهزلة التى تجرى الآن فى محطات مترو الأنفاق، المُسماة بـ: أكشاك لجنة الفتاوى.
 
مترو الأنفاق ومحطات مترو الأنفاق وأرض مترو الأنفاق، تُسمى وفق القانون: «مرافق عامة»، تخصُّ وتخدم «جميع» و«كل» مواطن مصرى بأمر الدستور. وليس فئةً دون فئة كما يقول عنوان تلك الأكشاك «فتاوى إسلامية». والحقُّ أن ذاك العنوان، فضلا عما سبق، فإنه يفعل شيئًا شديد الخطورة. هو تكريس «الفرز الطائفى» فى المجتمع. تذكير المواطنين كل لحظة أن هناك فريقين وعنصريين على ساحة الصراع. أن هناك دائمًا «آخر» مختلف، ينتمى لغير ما أنتمى إليه، ولابد أن يعلو يومًا بعد يوم ما بينى وبينه من جُدر. وما تفعله الدولة اليوم هى تكريس ذلك الجدار العازل بين المسلم والمسيحى، بدلا من تكريس قيم الذوبان المواطَنى بين المواطنين. بينما، كان أحوج ما يحتاج إليه المصريون فى محطات مترو الأنفاق، وفى كل مكان بمصر، هو وجود شىء يذكّرهم بأنهم ينتمون بالفعل إلى وطن. والوطن «صخرة» نرمى عند سفحها همومنا. شىء يُذكرهم بأنهم يستظلون بمظلة تحميهم من صعاب الأيام. نحتاج إلى أكشاك تقدم الكتب الفكرية المجانية لراكبى القطارات لكى يتصفحوها أثناء رحلاتهم، ثم يعيدوها إلى تلك الأكشاك. نحتاج إلى أكشاك موسيقى يعزف فيها العازفون ليرتقوا بأرواح الناس فيلفظون الدنايا والسخافات. نحتاج إلى أكشاك إسعاف مجهزة بكامل الإسعافات الأولية لإنقاذ المتوعكين. نحتاج أكشاك جميلة يرتاح فيها مُسنٌّ مجهد، أو أمٌّ تود إرضاع طفلها. نحتاج إلى دوارت مياة نظيفة لا نخجل من دخولها. نحتاج إلى كل ما نراه فى محطات المترو بأوروبا وأمريكا والشرق الأقصى، تلك الدول التى تحبُّ أبناءها وتعمل على إسعادهم، وليس على تفكيك أواصرهم وتشتيت وحدتهم بتلك الأكشاك العنصرية.
 
أكشاك الفتوى تلك فى محطات مترو الأنفاق دفع ثمنَها المسيحىُّ والمسلم من ضرائب المصريين الكادحين الذين لم يعودوا قادرين على مجرد الحياة وإقامة الأوَد. فهل وافق الدافعون أموالهم على مشتريات طائفية عنصرية من كدّهم ونزف جيوبهم وقوت أولادهم؟ كثيرًا ما كتبنا عن جامعة الأزهر التى تُموَّل منذ دهور بأموال ضرائب المسلمين والمسيحيين على السواء، لكنها مُحرّمٌ دخولها على الطالب المسيحى! والآن يتكرر ذلك الانتهاك للدستور على نحو أشد عنفًا فى محطات مترو الأنفاق، الذى يملكه الشعبُ بكل طوائفه، إذ يتم اختراقه واحتلاله بتعدٍّ سافر على الدستور المصرى 2014، الذى يساوى بين حقوق المواطنين المصريين كافة. تلك الأكشاك ليس لها إلا هدفٌ واحد هو توسيع الفجوة بين المسلم والمسيحى وتعميق شعور المسيحى بالغربة فى وطنه: مصر.
 
إقامة تلك الأكشاك الهزلية هو لونٌ آثم ومراهق من تكريس الفرز العقدى والتمييز الطائفى البغيض. وكالعادة، تم بليلٍ، وفى فى غفلة منّا ورغم أنوفنا، بقوة المدّ السلفى الوهابى الذى يزداد سيفُه توغلا فى خصر مصر جاهدًا فى تغيير ملامح وجهها لتغدو بلدًا لا نعرفها، ولا تشبهنا. والمدهش والمحزن أن يحدث هذا بعد ثورتنا ضد الإخوان! وكأن كفاحنا ضدهم لم يأتِ إلا بمزيد من التغوّل السلفى الإقصائى! وبعد أكشاك الفتاوى فى «غزوة المترو»، سنكون فى انتظار الخطوة الوهابية الحتمية التالية، وهى تجول «المُطوّعين» من رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فى الطرقات ليضربوا الرجال والنساء بالعصا والسياط، لنتحوّل جميعًا إلى جوارى وعبيد فى مجتمع لا يحترم الدستور، ويدهس على الحريات.
 
مصرُ المدنية ترفض أن تتحول إلى إمارة وهابية. مصرُ المواطَنة تلفظ عنصريتكم. مصر التعددية على وشك الانفجار فى وجوهكم.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد

لا ندري ايضا بما يفتون؟؟؟؟؟؟؟؟؟

كيف للدوله ان تعلم ما هو السئوال وما هي الفتوي ومن السائل ومن المفتي وبما افتي

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد

يجب ان تحصل هذه الاكشاك علي تصريح من وزاره الثقافه؟؟؟هذا خارج حدود الاوفقاف

هي الحكايه هايصه؟؟؟؟

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد

مرصد الازهر لا يرصد نفسه

لماذا لا يجاول ان يرصد مقرراته المذهبيه والعنصريه؟؟؟؟؟

عدد الردود 0

بواسطة:

Elhakany

من الذي سمح بإقامة تلك الاكشاك

ينبغي ازالتها فورا و محاسبة من سمح بإقامتها حسابا جنائيا ، هذه ظاهرة خطيرة جدا و ارجو ان يكون الأمن قد رصدها

عدد الردود 0

بواسطة:

fathy

يا أ/فاطمة

هى الماده التانيه من الدستور 2014 بتقول ايه مادة 2 الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع. يا أ/ فاطمه مش المفروض بردو نحترم الدستور يا استاذه

عدد الردود 0

بواسطة:

اسماعيل

للتاريخ

كيف يجرؤ أنسان علي أن يفتي في شئ لا يعرفه سؤأ في كشك أو أستاد فعلي سبيل المثال يصر رجال الدين ونسائه علي أن الله سبحانه وتعالي أرسل الي البشرية أديان عكس ما هو موجود في كتاب الله (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) ولم تذكر كلمة أديان مرة واحدة. والادهي والاعجب أنهم مصرون علي ان أتباع سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم هم المسلمون فقط رغم أن كتاب الله سبحانه وتعالي يؤكد علي أن أتباع سيدنا موسي مسلمون مؤمنين بموسي وأتباع سيدنا عيسي مسلمون مؤمنون بعيسي وأتباع سيدنا محمد مسلمون مؤمنون بمحمد. فهذه المفاهيم المعغلوطة عند هؤلاء تجعلهم غير مؤهلين الي الافتاء أو حتي الدعوة. للتاريخ ولكل من يريد أن يقدر (اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ويعرف الله حق المعرفة ويتعرف علي مصدقية الرسالة التي جاء بها أخر رسل البشرية الي أن تقوم الساعة والذي وصفه الله سبحانه وتعالي بالرحمة المهداه وبالصادق الامين فان رجل واحد في هذا الكون أستطاع بفضل من الله أن يفك شفرة كتاب الله المعجزة بطريقة علمية ممنهجة بعد أن كرس عمره لهذه المهمة علي مدي خمسين عام جزاه الله خير, وكل ما كُتِبَ عن الدين بخلاف ذالك لايستحق أن يضيع فيه وقت. وقد أستطاع الاستاذ الدكتور المهندس المدني محمد شحرور أن يحل معظم المشاكل الموجودة في التراث وأن يؤكد علي وجود نظرية معرفية في كتاب الله يتحرك من خلالها الكون كله كما أوضح معني العالمية والخاتمية والرحمة في كتاب الله. (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) وصدق الله العظيم هادانا وهاداكم الله

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد

وجود القس بجوار الشيخ داخل هذه الاكشاف يمثل العداله والوحده الوطنيه

علي ان يتم الحاق رلاهب يهودي لاحقا

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد

هذا غلو ومطارده للناس يالشوارع لاكراههم علي التدين....عليهم اذن فتح اكشاك بالسينما والمسرح

الا تكفي المساجد والاذاعات الدينيه

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد

لم يفكر الازهر في تغيير العمه التركيه الحمراء ولن يجدد ابدا الخطاب الديني

لم يفكروا حتي في تغييرها فلن يجددوا الخطاب الديني

عدد الردود 0

بواسطة:

عيد متولي

كفانا اكسجين

الاخت كاتبة هذا المقال وضع البلد لا يسمح باثارة الناس لموضوع لم يتضايق منة اخواننا المسيحيين فلماذا كل هذا الضجيج حول هذا الموضوع مع انة مهم للناس لكي يكونوا على علم بما يقوموا بة في حياتهم اليومية وكيف تقولين ان البلد ستصبح وهابية وقد تم منع القران في مكبرات الصوت ولم تقوم الدنيا وتقبلة المسلمون بنفس راضية وتم تقليص اماكن الاعتكاف واماكن صلاة العيد ولم تقوم الدنيا وتقعد لان ذلك في مصلحة امن الوطن وهل تعلمين انة يوجد اخوة مسيحيين تعودوا على سماع مكبرات الصوت في رمضان واحسوا بان هناك شىء ناقص هذا العام لانهم تربوا معنا واكلوا معنا الكنافة والقطايف لاننا نسيج واحد هل سمعتي عن المسيحيين الذين كانوا يقفون في ساعة الافطار لتوزيع الماء والتمر على اخوانهم المسلمين الموضوع لا يستحق كل هذة البلبلة والازهر لا يستحق ان نهاجمة وانما نطالب باصلاح ما قد يفسد حياتنا وليس بمهاجمة ما قد يصلح من دنيانا واخرتنا

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة