أكرم القصاص - علا الشافعي

سهيلة فوزى

يحيا.. الطاهر.. عبد الله (4)

الجمعة، 08 ديسمبر 2017 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"جلست أمى – مديحة - فى الكوشة بمفردها لفترة، ولا أحد يعلم عنه شيئاً، فقرر صديقه –الأبنودى ـ إنقاذاً للموقف أمام العروس والمعازيم أن يصعد ويجلس بجوارها وكأنه هو العريس . وبعد فترة من الوقت لا تقل عن ساعتين جاء وفى يده طفل من أطفال الشوارع، فيما يبدو التقاه وهو قادم للفرح
وعندما جاء سألوه: أين كنت؟ ولماذا تأخرت ؟ ومن هذا ؟
 
 قال: هذا طفل من أطفال الشوارع، رأيت أن يأتى معى ليأكل قطعة جاتوه "
 
كواليس ليلة زفاف يحيى الطاهر عبد الله كما روتها ابنته أسماء فى حوار صحفى. اهتمام يحيى وانشغاله بالفقراء والمهمشين والبسطاء لم يكن أبدا انشغالا أدبيا فقط، ولكنه واقع يحيى الذى انتقل دائما معه إلى أعماله الأدبية فى القصة القصيرة أو رواياته القليلة.
 
فى أول أعمال يحيى الروائية " الطوق والإسورة " الصادرة 1975. والتى تعد أشهر أعماله الأدبية بعد أن تحولت لفيلم سينمائى بطولة شريهان وإخراج خيرى بشارة .
 
من جديد يعود يحيى إلى الكرنك بحكاية مغموسة فى ليالى الصعيد الحزينة، ومطحونة برحى الفقر الذى صرع أبطالها، تبدأ القصة برحيل الابن للسودان مع رجال القرية للعمل، تاركا الأم "حزينة" اسما وحالا على فراق الابن ومرض الأب، طالت غيبة الابن ومات الزوج، ومن ورائه الابنة، قبل أن يعود الغائب.
 
 أتاح قالب الرواية لـ"يحيى" فرصة ليظهر بعضا من الجماليات اللغوية التى ربما يبخل بها قالب القصة القصيرة، فوصف موت بخيت البشارى : 
 
"سقط الظل الثقيل على الفناء فجأة، خمن الشيخ فاضل بعلمه أن ملاك الموت قد حضر.
 
وقالت حزينة المحنكة : "نعم هو ملاك الموت" .
 
وظنت فهيمة من غفلتها أن الشمس سقطت هناك خلف الجبل، لكنها أغمضت جفنيها – مثل أمها والشيخ - لتحمى عينيها فالتراب مهتاج من ضرب الجناحين الكبيرين .
 
سمعت حزينة وسمعت فهيمة وسمع الشيخ فاضل – صوت الباب الذى انغلق خلف ملاك الموت الحامل روح بخيت البشارى . فما قدرت البنت على كتمان الصرخة العالية ."
 
وكعادة يحيى فى الاغتراف من نبع الموروث الثقافى فى الصعيد، نسج روايته بواقعية شديدة، فيبرز معتقدات أهل الجنوب فى السحر ولجوء حزينة للدجالين –أو الشيوخ كما يسمونهم بالصعيد- ليفك الحبال التى تربط رجولة الحداد زوج ابنتها.
 
"قصدت حزينة الشيخ العليمى، وطرقت باب خلوته بنجع الجبل الغربى، فأجابها وسمع شكواها، وأعطاها قلب الهدهد الأبيض وزجاجة صغيرة بها سائل عكر وورقة طويت تسعا وتسعين طية."
 
ولما لم تنفع حيلة الشيخ مع فهيمة لجأت حزينة إلى الأجداد القدماء -معابد الفراعنة- علها تجد عندهم حلا لمشكلة الابنة، لتعود أساطير الجنوب تطل من جديد فى أدب يحيى فيروى أسطورة الرجل مكشوف العورة:
 
 "ستدخل فهيمة على الرجل الذى كان يتفاخر برجولته فحوله الله إلى حجر أسود بارد وجعله مكشوف العورة إلى أبد الآبدين.
تركوه مع النسوة ومضوا للحرب، ودامت الحرب بينهم وبين عدوهم سنين طويلة، وكان يرسل لهم الأبناء وقود الحرب، ولما تحقق لهم النصر نصبوه إلها من دون الواحد الأحد."
 
وعاد الموت ليطل من جديد على بيت بخيت البشارى، سبق وأن استقبلت "حزينة" موت الزوج بحكمة وجلد، وتحملت زيارة ملاك الموت الثقيلة على قلوب البشر، ولكن عندما جاء الملك لزيارة ابنتها، جزعت فى وجه الموت:
 
 "صرخت حزينة فى وجه القادم، وشقت ثوبها إلى نصفين: لا .. لا .. إنها لا ترحب بك.. لكنها صغيرة وغير قادرة على مواجهة الالم.. إنها تريد أن تستريح لا تريدك أنت، لكنها تريد للعذاب أن ينتهى وللجسد أن يستريح.. لكنها حمقاء لا تعرف أنك الموت."
 
وكما مرت حياة الابنة قصيرة وقاسية، باغت يحيى القارئ بنهاية أكثر مأساوية ودامية للحفيدة بعد ارتياب الجدة فى حالتها ورفضها للأكل والقىء المتكرر، لتؤكد القابلة مخاوف حزينة وتخرج عليها بعد أن اختلت بالحفيدة وتقول للجدة:
"كان الله فى عونك .. الإناء مشروخ "
بعدها صور يحيى رد فعل السعدى ابن عمة الحفيدة والراغب فى الزواج منها:
 
"خبط السعدى باب بيت بخيت البشارى بقصبة قدمه بعنف وتخطى حزينة القاعدة دون أن يرميها بنظرة من عينيه الحمراوين المشتعلتين كجمرتين إنه يعرف بغيته ولن يضل طريقها. أخرج من بين طيات ثوبه الممزق المنجل القاطعة الحادة الأسنان وقبض على لمة الشعر الأسود المعفر المهوش كما يمسك بحزمة برسيم، وحصد العنق الشامخ. فمال البرج وطار الحمام وهوى الذئب على مشهد الدم النافر يغرق الثوب، ويجرى على التراب كالحيات، وحمل الرأس بعيون ماتزال حية تلمع، وهو يعوى."
 
وفى عام 1981 قدم يحيى للمرة الثانية واحدة من أجمل الشخصيات التى صنعها ببراعة إسكافى المودة بطل روايته "تصاوير من الماء والتراب والشمس"، التى سبق وأن لعب بطولة روايته "الحقائق القديمة صالحة لإثارة الدهشة" عام 1977، فهو مزيج من المكر والحيلة وقلتها معا والوفاء لأصدقائه أيضا، يلخص إسكافى المودة مبدأه فى الحياة بقوله: الدنيا بنت الحيلة ومثلى إن لم يتحايل على المروق من خرم الإبرة مات ميتة الكلب الجربان.
 
تلك الحيلة التى خفف بها عن صديقه مصيبة فقدان زوجته ومن قبلها ابنه بعد أن رآه مغتما لأنه لا يملك المال ليحضر قارئ يرتل القرآن على قبر زوجته وابنه، فقال له الإسكافى :
 
 " لا تطلب قراء القرآن بأجسادهم يا قاسم.. كلهم يطلبون الأجر وأنت لا تملك الفدادين .. حاور الفقر بالحيلة .. بالسوق أجهزة تدور فتلف أشرطة بحجم الكف وتتكلم ومنها نسمع القرآن . "
 
ولأنهما لا يملكان الجهاز ولا الأشرطة وليس لديهما المال لشرائهما، فاحتال الإسكافى على الجميع ليشرب الخمرة مجانا، مقابل جهاز لا يملكه، ويعيد الكرة ثانية ليستعيد الجهاز لصديقه بحيلة أخرى .
 
 أربعة أصدقاء رغم قلة ذات اليد إلا إنهم اجتمعوا على الوفاء لبعضهم البعض، حتى اختطف الموت " قاسم" فيتركون جثمانه فى المستشفى، فالمستشفى الحكومى إذا ما حل الموت بالحى قامت بواجبها نحوه أفضل ألف مرة من أحياء كالإسكافى ورجب وفتح الله.
 
 
#يحيى الطاهر عبد الله #الطوق والإسورة #الأبنودى #إسكافى المودة 
#أسماء يحيى الطاهر #الكرنك # تصاوير من الماء والتراب والشمس
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة