أكرم القصاص - علا الشافعي

طارق الحريرى

مولانا . . السينما عندما تشتبك مع قضايا الواقع

الثلاثاء، 31 يناير 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هذا الفيلم غير مسبوق فى المشهد السينمائى المصرى يتجاوز سياق مهترئ تمر به صناعة السينما فى بلادنا إذ استطاعت كل العناصر المبدعة فى إنجازه أن تقدم تجربة شجاعة على مستوى البناء الدرامى والخوض فى قضايا الواقع بلا مواربة فى وقت تدهورت فيه إلى حد بعيد هذه الصناعة التى كانت إحدى أدوات القوى الناعمة التى كانت تعزز مكانة مصر ودورها إقليميا وتضاعف الفوران الثقافى فى مراحل متغيرة من تاريخ هذا الوطن. 
 
لهذا أثار فيلم مولانا كثيرا من الجدل وصار منذ بدء عرضه على الشاشة ساحة للنقاش والمساجلة بين أطراف عدة من جوانب مختلفة بعضها فنى وبعضها دينى وآخر فى مجال الرؤية السياسية والاجتماعية إذن فنحن بصدد فيلم تحرك خيوطه الرؤية التى تشتبك مع الواقع ترصده عن كثب وتتفاعل معه عميقا فى مستويات من الخطاب المتعلق – بطبيعة الحال – بلغة السينما التى تتعدد أدواتها ومستواياتها إبداعيا.
 

الشخصية الرئيسية 

يدور فيلم مولانا حول شخصية مركزية ومحورية هى رجل الدين المسلم الشيخ حاتم الشناوى الذى تبدأ من عنده وتنتهى كل خيوط البناء الدرامى للعمل وقد رسمت الشخصية بإتقان يتماشى مع الحدوتة فى كل تفاصيلها فمن هو الشيخ حاتم ؟ إنه الواعظ الذى يتصف بالنزاهة والصدق وهو متسق من داخله فى رؤيته للعالم مما نأى به عن الذاتية وسلحه بالاستنارة والموضوعية مهما طرأت على مجريات حياته أحداث أوصدف أوأعاصير فالشيخ حاتم الشناوى الذى يذهب إلى مقر عمله بالتكتك هو نفسه الذى يملك سيارة فاخرة بسائق ولم يتغير نسق القيم لديه فى التحول الطاغى من من أمام مسجد مغمور إلى داعية فضائيات مشهور ذائع الصيت وتم بناء الشخصية باقتدار فى صراعه المكتوم مع أجهزة السلطة والمشايخ الموالسين وأشخاص فاسدين وما سببه ذلك له من صراع نفسى جعله يسير على حبل أعصابه المشدود لكنه لم يفقد صلابته ولا مبادئه وأحد أوجه بناء الشخصية بالغة الأهمية من وجه نظرى هو إضفاء جانب الدعابة على الشيخ حاتم لكسر هموم وغلظة عالمه لأنه لو انعكست المنغصات التى واجهها على شخصيته فى الفيلم فإن الواقع الفنى لها ماكان ينجو من القتامة وساعد هذا البعد على القبول السلس من المشاهد للشخصية.
 

البناء الدرامى للفيلم

يحتشد البناء الدارمى للسيناريو بأكثر من ذروة تحقق التراكم اللازم للوصول إلى النهاية وهذا جنبه كما يحدث فى السينما المصرية اليوم التصاعد العشوائى للأحداث أو الصراع لأن هذه الذرى أدت وظيفتها بمنطق متسلسل يحكم الارتقاء بتعقيد الحبكة وصولا إلى الحتمية التى تصنع مشهد الختام فى الفيلم فكيف تم هذا؟
 
تم الزج ببطل الفيلم ذو السمو الأخلاقى فى معترك الواقع المدنس بين أصحاب السلطة وشبكات المصالح بذورة افتتاحية ألقت به معمعان هذا الواقع منذ اللحظات الأولى لبداية الفيلم عندما أصيب الشيخ وكيل الوزارة بحالة قيئ لم تمكنه من صعود المنبر فى حضور رسمى لرئيس الوزراء ورموز الدولة مما اضطر الأمن إلى الدفع به ليلقى خطبة الجمعة وأعقب ذلك أن حل مكان الشيخ المريض فى برنامج دينى يذاع على الهواء فى نفس اليوم فينال الشيخ حاتم قبولا كبيرا بما له من حضور وعلم ويستمر بعدها فى البرنامج الذى يحقق به الذيوع والانتشار ويمنحه الصيت والنجومية .
 
تتلو ذلك الذروة التى ستبدأ فى تعقيد الأحداث عندما ينقل له ممثل يعمل فى البرنامج دعوة جلال ابن الرئيس للمشاركة فى مباراة كرة قدم وهناك يطلب منه جلال حضوره إلى منزله لمقابلة زوجته التى ستعرض عليه مشكلة خاصة وطالبه بأن يبقى الأمر سرا وهناك تحدثه الزوجة إبنة رج الأعمال الملياردير بمشكلة شقيقها المدلل الذى قرر أن يعتنق المسيحية مما يتسبب بأوضاع كارثية للأسرة والسلطة ويطلب من حاتم مقابلة شقيق الزوجة حسن أو بطرس كما يحلو له أن يسمى نفسه وإثناؤة وجعله يتراجع عن هذا الفعل المجنون من وجه نظرهم لما يترتب عليه من آثار.
 
 بالتزامن مع هذه الذروة تقوم أجهزة الأمن بالحفر للشيخ حاتم لتوريطه والسيطرة عليه عن طريق فتاة تدعى نشوى دست عليه فى أحدى الحلقات بين جمهور الحاضرين ثم تبدأ ذروة ثالثة مع أقرب الشيوخ إلى قلبه الشيخ الحسينى القطب الصوفى المتسامح العازف عن متع الحياة والجاه والسلطة الذى تضيق عليه أجهزة الأمن فى مسجد الطريقة التى توارثها عن أجداده عن طريق غوغائية المتطرفين الذين تم زجهمعلى مسجده وبث الشائعات بأنه شيعى وهذا يضطره إلى مغادرة البلد حتى تهدأ هذه الحملة الظالمة ويترك الشيخ الحسينى سى دى للشيخ حاتم يحوى معلومات هامة.
 
 طوال تطور الأحداث تتتابع مع الخط الدرامى أزمة حسن أو بطرس كما أطلق على نفسه وتزايد الجفاء مع زوجته الذى بدأ بعد إصابة إبنه وانشغاله بالعمل ثم يكتشف الشيخ حاتم أن الشيخ الحسينى لم يسافر وتم اعتقاله مما يوتر علاقته مع أجهزة الأمن التى تجهز له فى ذروة جديدة كمين فى أحدى حلقات البرنامج عن طريق المذيع المتواطئ مع هذه الأجهزة الذى أثار قضية الشيعة وكان يعد فى الجزء الثانى من الحلقة لأذاعة شريط مفبرك يدين الشيخ الحسينى باعتباره شيعى لكن الممثل الذى يشارك فى البرنامج يقوم بكشف حقيقة مايدبر للشيخ حاتم فإما أن يبيع شيخه الصوفى المسكين وضميره ويصبح على أرضية الأمن وإما ألا يفعل هذا فتنهال عليه سهام الإسلام السياسى وأبواق أجهزة الأمن ويعرض له صديقه الممثل أيضا فيديو للفتاة التى دست عليه وهى راقصة أو ممثلة مغمورة فيستدعى حاتم المذيع ويضربه ضربة تفقده وعيه كى يبدأ الجزء الثانى من الحلقة معتذرا عن عدم وجود المذيع المصاب بوعكة طارئة ويفلت من الكمين الذى كان معدا له ومن هذه الذروة يبدأ الانكشاف والانقلاب الدرامى فى الفيلم.
 
فالجهة الأمنية إمعنت فى فى الضغط عليه ولوحت له بصور التقطت له فى بيته عندما باغتته نشوى فى بيته ومثلت عليه دور الإغواء بدأت هذه الجهة تزيد من ألاعيبها معه وفى نوبة صحيان ضميرتقوم نشوى بتسليمه فلاشة سجلتها للسى دى الذى سرقته من مكتبه قبل تسليمه للجهاز الأمنى الذى استخدمها وعندما يبدأ فى تشغيل السى دى تتكشف الحقائق المخيفة عن جلال ابن الرئيس الذى كان يعالج فى مصحة نفسية حيث كان يزامله فيها أحد مريدى الشيخ الحسينى الذى كان خارج البلاد لفترة زمنية طويلة وأخطأ بمحاولة التواصل مع جلال لذلك كانت الهجمة الشرسه على الشيخ الوقور ومريديه خوفا من تسرب هذه الواقعة المحجوبة من حياة جلال.
 
أخيرا تأتى الذروة الحاسمة عندما تتم عملية دنيئة فجرت فيها كنيسة وكالعادة تسوق الأجهزة الأمنية الشيوخ والقساوسة إليها كى يهدأوا الغاضبين وهناك تتجد هذه الذروة من داخلها عندما يطلب الأنبا باخوم الشيخ حاتم لأمر هام ويطلعه على السر فى تفجير الكنيسة من خلال تصوير الكاميرا لقد قام بهذه العملية الإرهابية حسن شقيق زوجة جلال لأن الكنيسة بالطبع لم تقبل كتعليمات الأمن عملية تنصيره وهذا هو المسكوت عنه .
 
كان المشهد الفذ بين الأنبا باخوم والشيخ حاتم هو نهاية المطاف بعد أن ظهرت الحقيقة المروعة التى جعلت دماء العشرات من شهداء الكنيسة تذهب هباء حفاظا على وضع الأسرة الحاكمة هنا أصبح الشيخ حاتم أمام خيار من اثنين لاثالث لهما أمام هذا العهر الذى تأباه البغايا فى المواخير إما أن يخرج للغاضبين ويهادن بخطبة عصماء عن التضامن مع وتعزية كل من له مصاب مع التأكيد على الوحدة الوطنية وساعتها سوف يخسر كل نضاله الشخصى العصيب الذى مر به حتى لايصبح أحد غلمان السلطة وإما أن يتصدى لهذا الزيف والكذب وهذا مايفعله ضاربا عرض الحائط بكل الحسابات مهما ترتب على ذلك من نتائج فى مواجهة توحش السلطة وأجهزتها الباطشة فيلقى كلمتة بلا مواربة معلنا رفض الخداع والزور والافتراء واستمرار التحايل على الحقيقة ثم يقوم فى نهاية كلمته بإزاحة ميكروفونات الفضائيات التى تكتظ بها منصة الخطابة ملقيا بها على الأرض فى معادل رمزى كأنه أزاح صخرة سزيف عن كاهله ويتجد هذا المعادل مع نزول تتر النهاية وهو يستقبل جزء منه إبنه الذى عاد معافا بعد رحلة علاج طويلة فى الخارج فى إحالة رمزية غير مباشرة إلى الذات والضمير.     
 

البطل غير المرئى

لايخرج فيلم مولانا عن كونه يعكس الواقع المعاش وثقافة مجتمعه وفى هذا الإطار يتشكل مسعى أى فيلم لتحقيق غايته بإحدى طريقتين الأولى أنه يقوم بإعادة انتاج الثقافة السائدة على رقيها أو تدنيها والثانية أنه يشتبك مع هذه الثقافة فى علاقة تصادم تعرى جوانب القصور وتكشف أوجه الخلل والثانية هى الرؤية التى تم اختيارها لفيلم مولانا التى بنى على أساسها الفيلم وكان الحوار هو محور الارتكاز لتحقيق الوظيفة الاتصالية مع المشاهد .









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة