أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد شومان

بين القاهرة واسطنبول

الأحد، 18 سبتمبر 2016 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كانتا قبلة الاستشراق والمستشرقين وهؤلاء رسموا مظاهر الحياة فى المدينتين..

"أورهان باموق" روائى تركى كبير حصل على جائزة نوبل للآداب عام 2006، والرجل معمارى ورسام وصحفى، أسلوبه ساحر، يجمع بين البساطة والعمق، وعالمه الروائى غامض ومشوق، لذلك قرأت كل رواياته المترجمة.

 

"باموق" فنان له موقف، فهو معارض قوى للرئيس التركى أوردغان، ويرى أن حكمه ينزلق نحو الإرهاب. ومن أشهر أعمال "باموق" كتاب "اسطنبول: الذكريات والمدينة".. وهو تأملات فى تطور اسطنبول، المدينة التى أحبها "باموق" وعاش فيها.. كنت قد أجلت قراءة الكتاب عدة مرات.. ثم قرأته فى إجازة عيد الأضحى.. وأعجبت بالعمل وتمنيت أن أقرأ نصا مشابها عن القاهرة.

 

أقول نصاً مشابهاً لأن المدن وما يكتب عنها من نصوص من المستحيل أن تتماثل، لأن لكل مدينة روح وتاريخ وحياة، ولكل كاتب أسلوب ومنهج فى التناول، لكن هناك تشابها، وأعتقد أن هناك متشابهات كثيرة بين اسطنبول "باموق"، والقاهرة التى تنتظر أن يُكتب عنها نصاً مشابها.. فى اسطنبول "باموق" هناك رصد دقيق وموثق – وبلغة روائية جميلة وجذابة - لتحولات المدينة وتاريخها وأحزانها وحرائقها، بالتوازى مع ذكريات "باموق" الطفل والشاب المراهق، وأسرته الثرية التى تشبه تركيا من زاوية أنها كانت ثرية وقوية ثم أفل نجمها، وتراجعت مكانتها وقدرتها، واستسلمت الأسرة تماماً كتركيا لضعفها وأحزانها، وطبعاً للعيش فى ماضيها العظيم من دون قدرة على استرجاعه، كتب "باموق" كل ذلك فى أسلوب يجمع بين الرواية والمقال الصحفى والبحث التاريخى والتأملات السوسيولوجية والرصد الإنثربولوجى.

 

أعتقد أن القاهرة مثل اسطنبول فى علاقتهما بالتاريخ، مدينتان لهما تاريخ طويل عكس مدن الملح والنفط أو مدن أمريكا، قد يقول قائل: "ولكن أتاتورك حاول قطع علاقة الأتراك بتاريخهم وثقافتهم"، وهذا صحيح تماماً لكنه فشل.. ونحن هنا فى مصر لدينا أيضا قطيعة من نوع أقل مع تاريخنا، ولدينا ازدواجية ثقافية وأزمة هوية غير معلنة لكنها ظاهرة فى صراع وتعايش الليبرالى مع الإسلاموى السلفى أو الإخوانى أو الصوفى، وفى الشارع تلحظ أزمة الهوية أيضاً فى تجاور الحجاب مع النقاب مع المينى جيب، مع أحدث صيحات الموضة الغربية .

 

القطيعة مع التاريخ فعل مستحيل، وأزمات الهوية يمكن التعايش معها وفيها، لذلك فالحقيقية الثابتة أن القاهرة واسطنبول مدينتان تاريخيتان بامتياز، ولكل منهما موقع جغرافى مميز يصل بين الشرق والغرب، بين الجنوب والشمال.. القاهرة تشبه اسطنبول فى أنهما كانتا فضاءً واسعاً لتعايش الحضارات وصدامها، عاش فى المدينتين أجانب من كل لون وجنس، ومن أتباع الديانات الثلاث.. الجميع تعايشوا وصاورا مواطنين أتراكا أو مصريين.

 

القاهرة واسطنبول كانتا قبلة الاستشراق والمستشرقين، وهؤلاء رسموا مظاهر الحياة فى المدينتين، وسجلوا فى كتاباتهم الكثير من الحقائق والمبالغات، والغريب أن رحلات أغلب المستشرقين كانت تبدأ بالقاهرة وتنتهى باسطنبول أو العكس!، وكانت القاهرة ومصر أسبق فى الانفتاح على الغرب، ثم الاستسلام للنفوذ الأوروبى الاستعمارى، وصولاً إلى الاحتلال العسكرى، وهو ما لم تعشه اسطنبول، لكن العاصمتين والبلدين عانتا من الشعور بالهزيمة والحزن، والشعور نوعا ما بالدونية والاستتباع للطرف الغربى الاستعمارى القوى والمهيمن على العالم، بعد أن كانت قاهرة المماليك مسيطرة على الشرق الأوسط، وبعد أن كانت اسطنبول عاصمة السلاطين العثمانيين العظام تملك الشرق الأوسط ووسط آسيا وجنوب أوربا وتهدد قلب أوروبا!.

 

التاريخ فى العاصمتين لعنة من نوع ما، وألم مقيم، فالمقارنة بين الماضى العظيم والحاضر تولد أحزاناً هائلة، وقد تولد طاقة للعمل والتحدى والرغبة فى التغيير.. لا أعرف أى معنى للتاريخ ندركه كمصريين.. ولا أعرف أيضاً هل فعلاً نشعر فى القاهرة بالحزن والهزيمة التى يشعر بها أهل اسطنبول، يقول "باموق": "ليس لدى أدنى شك بأن الحزن هو الشعور الحاكم على اسطنبول خلال المائة والخمسين سنة الأخيرة (1850 – 2000) والذى تبثه إلى محيطها". ويتحدث "باموق" عن الحرائق والكوارث التى تهدد اسطنبول، وكيف أن المدينة وسكانها كانوا يتوقعون هذه الكوارث، ومع ذلك لا يستعدون لها أو يفعلون شيئاً لمواجهتها، إنهم يتفرجون على الحرائق التى تلتهم البيوت الخشبية التاريخية الجميلة أو السفن التى تمر فى البوسفور.. هل نحن فى القاهرة نتوقع الكوارث ولا نتحرك.. نشاهد الحرائق ولا نستعد.. حقيقية لا أعرف.

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة