أكرم القصاص - علا الشافعي

حامد الجرف يكتب: فى مديح الصمت وفضل الاعتزال

الأربعاء، 06 مايو 2015 10:05 ص
حامد الجرف يكتب: فى مديح الصمت وفضل الاعتزال صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يلزم للمرء أن يُذكِّر نفسه كل حين بقدْر نفسه، وأن يتوقف كل مرحلة لفحص قواه، ليعلم فى كل مرة كذلك أنه أضعف من أن يُحدث شيئاً ذى ذكر إلا أن وأتت إرادته ظروف ليس مردها إليه، تساعده وتؤازره وتسمح لغرسه أن يؤتى أكله، فإن لم يصادف فى الزمان والمكان، وفى الناس وما تواضعوا عليه من نظم، ما يعاضده ليسهم بما مكنَّه الله منه من علم أو نظر أو عمل أو أداء، ليرتفع بناء الناس بسواعدهم أجمعين.. تعيَّن عليه أن يرجع لقاعدة التواضع وهى الأصل، ليترك أصحاب العقيرة وأهل البطش والجهالة ليفعلوا ما يفعلون.. قد يسوءه فعلهم، وبالقطع سوف يتضرر منه معهم لو كانوا يعلمون، ولكن الأصل الذهبى فى الأفعال لسائر البشر أنه لا تكليف إلا بمستطاع، كما أنه لا سبيل على غير من ألزمته قاعدة آمرة، أو التزم هو بعزيمة فرضها على نفسه، فإن لم تكن هذه أو تلك فليس على المحسنين من سبيل، فالتطوع وفروض الكفايات لا إلزام فيها، فإن قصُرت قدراتك على أن تفعل، ولم تكن ملتزماً أصلاً بأن تفعل، فلتقعد حيث أنت ولو لم تكن كسيحاً، ولتصمت ولا تشغلن الفضاء من حولك بجعجعة بلا طحن ومن ثم فلا دقيق تنتجه ولا خبز يسد رمقاً أو يطعم جائعاً، ولو كنت من كنت من أهل النظر وأصحاب الرأى، خلصاء الانتماء وصادقى القصد. فإن غلبت على الناس عوامهم وخاصتهم من الأدواء، ما يخرج تصويبه عن طاقة الرجال أولى العزم اللذين لا يملكون سوى عزم عقولهم واستنارتها وحدة بصرهم وجلاء نظرهم وفهم واقعهم، واللذين لا سلطان لهم يزعون به، ولا سبيل لهم لعوام الناس يوصلهم إليهم ليبصروهم.

وإذا عم بين الناس الالتباس، وأصبحت السيادة لعلو الصوت ورفع العقيرة بالصدق أو بالبذاءات، وأضحت السيطرة لأصحاب الفتوة والقوة، وظن نفر أنهم دون غيرهم هم المؤهلون لكل أمر، والقيِّمون على كل شأن، وقبلت العوام منهم أو خضعت لما هيئوهم له فغلب على ظنك بالدليل المؤيد أنهم لن يسمعوا منك أن وجدت إليهم سبيلاً، فما أحوج المرء يومئذٍ لاعتزال يقيه الشراك والاشتراك، والشباك والاشتباك، وما أحوجه كذلك لصمت يريح به نفسه ويقلل به ضوضاء الببغاوات من حوله، ولا يكن مُدخَلاً إضافياً يوظِّفه هذا أو ذاك فى وافر من الالتباس أو مزيد من انقسامات الناس.

وقد يقول قائل إنها دعوة لليأس، وربما اشتهاء للموت، وما هى بهذا ولا بتلك وإن تشابهت الأمور على من لا يعى فهما ولا يقدِّر للمسئولية عن الغير شأناً، فإن التزمتَ الصمت ورمتَ الاعتزال فلربما يتيح هذا فضاءً أهدأ وأرحب لمن يجمع الله بين يديه جلاء النظر وصواب الفكر وعزم الإرادة وقوة السلطان، ويهىء له من الظروف ما يساعده لسواء السبيل، ويهبه من قبل ذلك كله – فى نفسه - ومن بعده تواضع العارفين، الموقنين ببشريتهم، والمؤمنين بنسبية رؤاهم، ومحدودية آثارهم، والصادقين فى ضمائرهم وعلانيتهم، والمواجهين لمسئولية إخفاقهم، لا المتذرعين للتفلت منها، فنصوغ وطناً يمتلكه كل أبنائه ويحكمونه جميعهم لا فئة ولا فصيل ولا مؤسسة دون غيرها، وطن تقوم لُحمته على اليقين بضرورة قبول الاختلاف لا المناداة بالاصطفاف، ويؤمن بقوته فى التنوع والتعدد وليس فرض النمط إلغاءً لفرادة البشر وفطرة خلقهم. اللهم استجب بلطفك ورحمتك وتقبل منا – وأنت علام الغيوب – ما فرضناه على أنفسنا من صمت واعتزال ابتغاء مرضاتك وصلاح أمر عبادك وبلادك التى شرفنا بالانتماء إليها مسقطاً للرأس ومرقداً للجسد.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

دكتور سمير البهواشى

لا فض فوك

عدد الردود 0

بواسطة:

ديدي

مقال رائع

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة