أكرم القصاص - علا الشافعي

مصطفى محمود على يكتب: أنين الفقراء وقهقهة الأغنياء

الخميس، 05 مارس 2015 10:22 ص
مصطفى محمود على يكتب: أنين الفقراء وقهقهة الأغنياء سيدة عجوز

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت أسير ذات يوم فى أحد الأحياء الفقيرة، فوقعت عينى على سيدة عجوز بدا وجهها شاحبا، يحمل خطوطا وتجاعيد كثيرة، فقلت فى نفسى ربما تجاوزت هذه السيدة المائة عام، وربما كانت هذه التجاعيد تخفى ورائها حرمانا وآلاما على مدى سنين طويلة.

دفعنى الفضول لأنْ أقترب منها محاولاً معرفة قصتها، ربما أستطيع مساعدتها ولو بابتسامة أمل، فما إنْ وقفت أمامها حتى انتابتنى حالة من العجز، ماذا أستطيع أنْ أقدم لسيدة تئن منذ عشر سنين لكسر ساقها، فلا تستطع السير لأكثر من عشر خطوات؟، لقد طردوها من المشفى بعدما عجزت عن دفع المصاريف حيث لا أموال ولا أولاد لديها، ذهبت أقلب فى كوخها لعلنى أجد شيئا ذا قيمة تبيعه لعلاج هذا الروماتيزم، والسكر، والضغط، والرمد، والتهاب المفاصل الذى ألمَّ بها، فلم أجد إلَّا بطانية عليها أكوام من الأتربة، وبها خرقات كثيرة جدًا، فضلاً عن بعض الحشرات التى تزحف عليها، تساءلت فى نفسى أهذا هو غطاؤها؟!! وازدادت دهشتى عندما رأيت طبقا قديما يعلوه الصدأ، يحتوى على فتات من الخبز الجاف كالصوّان.

تقول لى: "عشت يابنى فى هذا المكان أكثر من 40 سنة لوحدى محدش سأل عليا، ومن 30 سنة مكلتش لحمة ولا شميتها". قلت كيف تعيشين إذن؟ أشارت إلى كوم من القمامة يبعد عنها حوالى عشر خطوات، وقالت: "أبحث هناك عن الطعام، فربما وجدت قشر بطيخ، أوْ بذور خوخ.. أوْ بعض كسر الخبز، وكل شهر واحد من الناس يجيبلى كيس فيه سندوتش طعمية وبقالو دلوقت سنتين مبيجيش". وبحسب التاريخ الذى التقيت فيه هذه السيدة ومقارنته، اعتقدت أن ذلك اليوم هو يوم 25 يناير 2011 يوم الثورة لكنها قالت: "أنا قلبى انقبض عليه". وهذا يعنى أنه إما قتل أوْ سجن، ومن يومها تئن وتئن وتئن.

سمعت أصواتا صاخبة بجوار هذا الكوخ فإذا عمارة فارهة، أمامها سيارات باهظة الثمن، من ماركة "مرسيدس بنز"، و"همر"، و"جيب"، كما سمعت قهقهات وصيحات ضحك، تألمت كثيرا، كيف لا ينظر أحد من هؤلاء إلى هذه السيدة، ما ذنبها؟.. لكنى أدركت أنهم من الطبقة الغنية جدا التى لا تشعر بأى فقير أوْ مسكين وربما تشاهده فقط على شاشات التلفاز.

وفى ذات المكان وجدت نساء رشيقات القوام جميلات المنظر، ينساب شعرهن على أكتافهن، يتمخطرن ويتبخترن هنا وهناك، مع ضحكات يهرب منها الشيطان، وهن يسرن أمام كوخ هذه السيدة لكن مع الأسف لا يلتفتن إليها أبدا، وكأنها ذبابة أوْ شيئا لا يُرى.

الحق أقول؛ لولا أننى غريب عن هذا البلد ولا أملك شقة "ولا يحزنون"، لكنت أخذتها لتعيش معى ورزقى ورزقها على الله، لكنى كغيرى من الشباب المسكين الذى لا يملك إلَّا قوت يومه، فمن منكم يستطيع أنْ يأوى أمثال هذه العجوز، وله أجر كبير عند الله الكريم؟، من منكم يلتفت إلى الفقراء والمساكين؟ من منكم يحن إليهم؟ من منكم تحدثه نفسه لاحتضان هؤلاء بأى طريقة أوْ وسيلة؟ من منكم يفكر فى إسعاد المحرومين؟

لن أناشد أحدًا لأنَّ المسئولية تقع علينا جميعًا، نحن مجتمع واحد حضت جميع أديانه على السلام والسعادة، ومد يد العون للمحتاج، فيقول النبى محمد (صلى الله عليه وسلم): "ليس منا من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم..".

ويقول المسيح (عليه السلام): "مَنْ يَرْحَمُ الْفَقِيرَ يُقْرِضُ الرَّبَّ، وَعَنْ مَعْرُوفِهِ يُجَازِيهِ"، سفر الأمثال 19/17.
فلماذا إذن نتغاضى عن قصد أوْ دون قصد، حتى نسمع أنين الفقراء يزداد يومًا بعد يوم، وتتراكم معاناتهم عامًا بعد عام؟، إلى متى سيظلون محرومين من أبسط الحقوق، إلى متى سنسمع قهقهة الأغنياء وأنين الفقراء؟!.












مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

دكتور عبدالحى الفقى

ادمعتنى

وادميت قلبى

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة