أكرم القصاص - علا الشافعي

براء الخطيب

مذكرات راسب ثانوية عامة.. عن لشبونة وعشق البرتغال «15»

السبت، 28 مارس 2015 10:45 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اقتربت «مونتانا» منى وقبلتنى قبلة رقيقة على كل خد، ثم صافحتنى وقبلت «ألبرتو» بخفة على شفتيه، لكنها لم تصافحه، وقالت كلامًا بسيطًا وهادئًا فهمت منه أنها تودعه وهى تتمنى من الله ككاثوليكية مؤمنة أن تراه مرة أخرى، وعليه فى هذه المرة أن يحضر نصف دستة كاملة من زجاجات النبيذ الذى يفضله لأنها تحب جميع أنواع النبيذ البرتغالى.

أخيرًا كنا على سطح العبّارة «هيولفا» وهى تتحرك مبتعدة عن رصيف الميناء فى طريقها للدخول إلى خليج «كاديز».

فى رأيى أن «ألبرتو» لم تكن نفسه تعرف الألم مثلما كانت تعرفه فى هذه اللحظات، وبالفعل وقف «ألبرتو»، ليس بالمعنى الحرفى للوقوف، فقد بدا متهالكًا وحزينًا وهو يستند إلى سور العبّارة متطلعا باتجاه الشاطئ حيث بدا برج «تورى دى بيليم» منتصبًا فى الماء، بينما كانت أسراب طائر النورس تتقافز حول صخور الشاطئ، فيما كانت العبّارة «هيولفا» تبتعد عنه فى انسيابية، حيث كانت الأمواج هادئة فى مثل هذا الوقت من النهار الذى كانت الشمس فيه شبه عمودية على سطح العبّارة، فقد كانت تتوسط السماء العالية التى بدت زرقاء أكثر مما ينبغى، فلم يكن هناك أى أثر لسحابة سوداء كانت أو بيضاء، داكنة أم شفافة، ومع ذلك فقد كانت رياح خفيفة تأتى من الجهة المعاكسة لاتجاه سير العبّارة تجعل شعر «ألبرتو» الأصفر الطويل يتطاير خلف رأسه، مما جعلنى أتخيل أن «ألبرتو» هو نفسه جزء من هذا المنظر الفريد، جزء من سور العبّارة والبحر والسماء والرياح، وتبين لى أن هناك لحظات مؤلمة فى حياة كل بحار كان عليه أن يترك امرأة مثل «مونتانا» وحيدة فى ميناء كان فيه منذ ساعتين تقريبًا، وذات يوم لو واصلت عملى كبحار على ظهر السفن فلا بد أن تشملنى مثل لحظات الحزن هذه، ويبدو أن استغراقى فى التفكير على هذا النحو جعلنى لم أدرك أن «ألبرتو» لم يعد واقفاً مستندًا إلى سور العبّارة، تبينت ذلك فجأة عندما سمعت صوته يأتى من خلفى وهو يصفنى بالمصرى الكسول الذى عليه أن يتعلم شرب النبيذ، بشكل يؤكد أنه بحار أصيل، وعندما التفت إليه لم أتبين على ملامحه أنه يقول هذا مازحًا، فقد كانت الجدية تكسو ملامحه، فيما بدا عليه أنه ما يزال على حالته من الحزن العميق، فبدا شارد الذهن وهو يضع الكيس الورقى الذى كان يحمله على طاولة صغيرة كانت إلى جوار المقعد الحديدى الذى كنت أجلس عليه، إنه نفس الكيس الذى يحتوى على زجاجات النبيذ ورفضت «موناتانا» الاحتفاظ به. أخرج «ألبرتو» زجاجتين من النبيذ وناولنى واحدة، وأخرج من جيبه «فتاحةس الزجاجات وغرس سنها فى الفلينة التى تغلق حلق زجاجته ونزعها، وعرضها أمامى وهو يقول إن أكثر شىء يجيد البرتغاليون تصنيعه هو النبيذ والفلين.. بعد أن نزع السدادة الفلينية ناولنى الفتاحة فنزعت الفلينة التى تسد عنق زجاجتى، أخرج من الكيس الورقى الساندويتشات وهو يسميها لى ليعرفنى بها، فهذا «فرنسيسنيا» من بورتو، وهذا «بريجو»، وهذا «باستييس دى بيليم»، أما هذا فهو «باستييس دى ناتا»، لكن هذا هو «أوفوس موليس» من أفيرو، قلت له إنه كان قد أحضر للمرأة السمينة البيضاء «مونتانا» وجبة كبيرة من الساندويتشات، فقال إنه كان يريد أن نأكل جميعًا من هذه السندويتشات، وراح يؤكد لى أنها «كارنا دى بوركو»، وفهمت أن الساندوتشات خالية من لحم الخنزير، فهو يعرف أننى مثله لا آكل لحم الخنزير، ولذلك فإن كل الساندويتشات من «فرانجو أسادا» فهو متأكد من أننى آكل لحم الدجاج المشوى، وكذلك لحم البقر المشوى «كارنى أسادا»، ولما كنت أنا قد تعرفت على طعم بعضها لأول مرة فى بار «دوس جاموس»، وكنت جائعًا كذلك فقد بدأت فى الأكل، لاسيما أننى لم أكن أستطيع شرب النبيذ على «لحم بطنى» ومعدتى خاوية.. وللمذكرات بقية.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة