أكرم القصاص - علا الشافعي

على رمضان يكتب: مظاهرات العز وأكل الوز

الأربعاء، 03 سبتمبر 2014 06:19 ص
على رمضان يكتب: مظاهرات العز وأكل الوز مظاهرة - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان الجو حارا مرهقا، والشمس فى كبد السماء تضرب رؤوس المارة بسهام أغسطس، مما دفع المارة أن يلتمسوا أى طريق به ظل اتقاء لهذه السهام الساخنة، والعرق يتصبب من مسام جسدى المنهك، واستعنت بالصحيفة التى فى يدى لأنشرها فوق صلعتى التى تساقط شعرها وتركنى ضحية سهام الشمس، حين ترامى إلى أذنى هتافات عالية، وغبار كثيف يلوح فى الأفق أمامى، واستشعرت خوفا أن يكون الغبار والهتاف مظاهرة شبابية من تلك المظاهرات التى انتشرت فى شوارعنا، والحق أن قلبى ركض بشدة، لأننى من جيل عجوز تربى على طاعة الحكومة والانصياع لأوامرها والإيمان بتوجهاتها، "روح يمين يا قدرى" أروح يمينا، "لأ روح شمال" أروح شمالا، "قف مكانك ياقدرى" أقف زنهارا.. هكذا تعلمنا نحن العواجيز أن الحكومة هى أبونا الذى لا يخطىء، هى تعلم ونحن جهلاء، هى حاملة همومنا وأكلنا وشربنا و"كتر خيرها ".. اقتربت من المظاهرة وأنا أنظر شذرا للمتظاهرين، إلا أننى وجدت أكثرهم عواجيز مثلى، وبحثت فى وجوههم عن الشباب قائدى المظاهرات فلم أجد، رجال مسنين ونساء تعدوا مراحل اليأس، صحيح أنهم يرتدون ملابس شيك و"ألافرنك"، ويبدو عليهم "العز وأكل الأوز"، لكنهم يتضامنون فى مظاهرة كبيرة فى عز الحر والقيظ، يرتدون قبعات ويحملون شمسيات تقيهم السهام إياها، وحدثتنى نفسى الآمرة بالسوء أننى مواطن خسيس ونذل وليس عندى أدنى وطنية، وأننى عشت عمرى من فصيلة الأرانب ومن جنس حواء، فهؤلاء مواطنون من جيلى لا يتملك منهم الفزع والخوف من التعبير عن وطنيتهم وآرائهم، ولا يخافون من الكلابشات مثلى، ولا "الرزع على القفا" فى قسم الشرطة، ولا النوم على البرش وقضاء الحاجة فى جردل الزنازين، ولا اغتصاب فرج فى فيلم الكرنك الكريه، هؤلاء نفس جيلى ومنهم من هو أكبر منى سنا، لماذا لا أنضم إليهم وأكون مرة من الثوار الأحرار الذين يضعون حياتهم على كفوفهم فى سبيل الثورة، وشجعت داخلى المرتجف وأوهمته أنها دقائق أسير مع أقرانى فى السن وأعمامى فى العمر فى مظاهرة مثل التى كان يهتف فيها مصطفى كامل ومحمد فريد، الموت للعملاء وتحيا مصر حرة أبية، ونما داخلى الإحساس بالوطنية والتحمت مع المسيرة العجوز الصامتة، وأنا أرى دموع المتظاهرين تنهمر ونهنهة السيدة العجوز بجوارى، وأعتقدت أن المتظاهرين لا يهتفون بصوت عال لأن نفسهم مقطوع لكبر سنهم، وعجبى أن يتلخص هتافهم فى "يسقط الظلم والوحشية "، وساورنى إحساس بأن يجب على ّ – بصفتى أصغر منه سنا – أن يعلو صوتى بهتاف أشد وطنية وأكثر تعبيرا عن حب الوطن، فشرعت فى الهتاف والصراخ بأعلى صوتى والشمس تحرق صلعتى: نريد نريد حقوق الشهداء.. لا تراجع عن حقوق الشهداء.. وإذا بالجموع الصامتة تردد حولى فى حماس منقطع النظير: حقوق الشهداء.. حقوق الشهداء.

وإذا بهم جميعا فى دائرة كبيرة حولى وأنا فى المنتصف أهتف ويرددون حولى ما أهتف به، وتلا ذلك تصفيق حاد لى وأقبلوا على ّيقبلوننى ويصافحونى بحرارة، واقترب منى أحدهم ويبدو من هيئته أنه زعيمهم وبادرنى: سعادتك أضفت شعارا جديدا بحقوق الشهداء سنكتبه فى مطالبنا.

قلت له متعجبا: ده يافندم مطلب قديم من أيام التحرير

- أيوه بس ده مطلب الشباب إياهم

- مش فاهم يا باشا! ممكن توضح لى؟

- دول كانوا فى مظاهرات يناير، مظاهرات الفوضى..

- أمال دى يا فندم مظاهرات إيه؟

- دى مظاهرات القطط.. اللى قتلوها فى النادى.. الخونة.. أنت مش واخد بالك واللا إيه.

وحيدا أسير فى الطريق وقد فقدت الصحيفة التى كانت تحمى صلعتى.. أهتف وحيدا: تعيش الأرانب.. تموت القطط.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة