أكرم القصاص - علا الشافعي

د. محمد على يوسف

أن نظل بشراً

الخميس، 28 أغسطس 2014 11:38 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الزوج يعود من عمله منهكا يريد أن يتناول لقمة ويستريح من عناء العمل.

الزوجة: معلش يا حبيبى النهاردة «تفويتة» عشان ما لحقتش أطبخ - الزوج بنفاد صبر: وليه ما طبختيش يا هانم كان وراكى إيه إن شاء الله - الزوجة وهى تتأمل فى شاشة «اللاب توب»: معلش يا حبيبى أصل الكلام أخدنا على «الشات» أنا وفلانة وعلانة ومالحقتش أعمل أكل، لكن يادوب هأخلص البوست اللى فى إيدى ده وأقوم بعدها أفتح لك علبة تونة. الزوج فى دهشة ساخطة: تونة؟! طيب أمرى لله بس بسرعة من فضلك عشان فيه كام تغريدة فى دماغى عاوز أكتبهم أنا كمان، ولا أنا ماليش نفس يعنى؟! أمال فين الأولاد مش سامع لهم حس؟! الزوجة وهى تضرب بأصابعها على لوحة المفاتيح: كريم قاعد فى أوضته على «البلاى ستيشن» ونسمة مشغولة «بالإكس بوكس» الجديد اللى جبته لها فى عيد ميلادها. الزوج يمط شفتيه بلا مبالاة ويخرج الهاتف الذكى الضخم من جيبه ويبدأ هو الآخر فى تأمله باهتمام والصمت يخيم من جديد على المكان لا تقطعه إلا أصوات الإشعارات ونقرات لوحات المفاتيح.

فى مكان آخر يجتمع مجموعة من الأصدقاء بذلك المطعم الراقى، مجموعة من الأصدقاء القدامى فرقتهم الغربة ومشاغل الحياة وتواعدوا لانتهاز فرصة الإجازة السنوية واستعادة شىء من الأيام الخوالى، سلامات وترحيبات وشوية هزار على استعادة ذكريات وضحكات تتعالى لعدة دقائق ثم يتقدم النادل ليأخذ الطلبات، الأصوات تخفت تدريجيا والضحكات الودودة تتلاشى ولا يقطع الصمت المخيم إلا مجاملات متطايرة تقطع ذلك السرحان المقيم، لقد حدث المعتاد، لقد دس معظم الحضور وجوههم فى شاشات هواتفهم الذكية أو أجهزتهم اللوحية، بينما تتقافز أصابعهم على لوحات المفاتيح برشاقة يحسدون عليها، وابتسامات بلاستيكية بلا معنى تشبه «السمايلى فيس» الشهيرة تظهر على وجوههم التى تنعكس عليها أضواء الشاشات المتراقصة وساد الخرس من جديد. حالة من الخرس الاجتماعى والتوهان والسرحان العائلى والبرودة التى تسرى تدريجيا فى أوصال المحافل الاجتماعية وتحل محل دفء التواصل الأسرى والعلاقات الإنسانية الحقيقية.. حالة من استبدال كل ما سبق بجهاز لوحى متقدم أو هاتف ذكى وإغراق فى عوالم افتراضية وحياة بديلة، حياة الضحكة فيها عبارة عن حرف «هـ» متكرر والابتسامة فيها عبارة على قوس مفتوح إلى جواره نقطتين تعلو إحداهما الأخرى، حياة عبر الأثير الحزن فيها عبارة عن إشارة إلكترونية لوجه أصفر حزين والدمعة فيها عبارة عن إشارة أخرى طريفة والفكرة فيها هى مجرد هاشتاج مقتضب.. لاب توب، ديسك توب، سمارت فون، تابلت، بى.إس.بى، بلاى ستيشن، إكس بوكس، رسيفر، إل.سى.دى، دى.فى.دى وغيره وغيره ثم ماذا بعد؟ متى سنتكلم؟ متى سنتحاور؟ متى سنعيش خارج الشاشات المتألقة؟ متى سنعود إلى عالمنا الحقيقى حيث الابتسامة لها بهجتها والضحكة لها عذوبتها والدمعة لها حرارتها؟ متى سيعود الدفء وتنتهى تلك الحالة من الخرس الاجتماعى الناشئ عن السرطان الإلكترونى المنتشر فى أوصال حياتنا. يفترض بالتطور التقنى والانفتاح التواصلى أن يجعل حياة الناس أكثر سهولة وليس أن يجعلها أشد جفاء وجفافا، يفترض أن تكون العقول والتعاملات هى الذكية وليست الهواتف والأجهزة اللوحية هى من تستأثر بالذكاء. يفترض أن تكون ضحكاتنا حقيقية وأحزاننا محسوسة وأفراحنا ملموسة وابتساماتنا بالبهجة مغموسة. يفترض أن يظل الواقع الافتراضى افتراضيا وجزئيا لا يجاوز حجمه أبدا ولا يتعاظم ليبتلعنا فى محيط إشاراته الإلكترونية وأمواج علاماته الأثيرية. يفترض بنا أن نكون بشرا وأن نظل بشرا.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة