أكرم القصاص - علا الشافعي

أحمد الجمال

من دفتر ذكريات الفن: بعد الاحتفال بالقضية..

الثلاثاء، 19 أغسطس 2014 11:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سامحونى على هذا الاستطراد فى حكايات قد تبدو عند البعض تافهة.. أو عند آخرين، وفى أحسن تقدير «ماشى الحال»، ولكن ليس وقتها الآن، لأننا فى وقت الكرب والهم ويختلط عندنا الألم بالأمل، مع رجحان كفة الأول، أى الألم ولا مجال لأى شىء فيه روقان وثرثرة.. ولأن الأوجب هو المشاركة فى العويل واللطم على كل الجبهات، حيث عويل ولطم الإخوان وشركائهم على ذكرى رابعة والنهضة.. وعويل ولطم الفلول على استمرار بهدلة مبارك والعادلى، بعدما أثبتوا أن يناير كانت مؤامرة فعلها شياطين حماس وحزب الله والإخوان.. وعويل ولطم الليبراليين الحمزاويين والاشتراكيين الثوريين على استمرار حكم العسكر وكابوس يوليو، وعويل ولطم بعض القوميين الناصريين على عدم نجاح حمدين، وخيانة أمثالى للحلم الكبير، وعويل ولطم آخرين على استمرار قطع الكهرباء وحرمانهم من النت والفيس، وقبلها متابعة مباريات كأس العالم.. وعويل ولطم اللى بعدهم على بوظان التعليم والصحة.. واللى بعدهم على أن السيسى احتمال ينجح ويستكمل خارطة المستقبل، ويستمر فى المشروعات الكبيرة، بينما هم كانوا قد حضّروا أنفسهم للزغاريد والهتاف: «حزمنى يا جدع»، من أجل «هاتك يا رقص»، عندما يفشل الجيش المصرى فى أية مهمة.. لذلك أعتذر مسبقًا عن هذا الاستطراد فى حكاياتى من دفتر ذكريات فنية!
بس، أعترف قبل الذهاب للذكريات أننى مزنوق فى كلمة أو جملة أو فقرة.. زى ما تطلع، وهى أننى وحتى وصلت إلى المرحلة الثانوية، ويمكن ثالثة ثانوى، لم أتعامل مع الكهرباء إلا فترات متقطعة، الأولى هى الفترة من أكتوبر 1955 إلى أكتوبر 1956 فى دسوق، والثانية من أكتوبر 1956 إلى يناير 1958 فى طنطا.. أما من 1946 تاريخ ميلادى إلى 1958 فقد كنا بلا كهرباء، سواء فى بلدنا جناج مركز بسيون أو فى مقامنا بقويسنا.. ومن 1958 إلى 1963 لم نحصل عليها لأن بيتنا الجديد فى إحدى مناطق طنطا لم تدخله الكهرباء، إلا وأنا فى الثانوية العامة.. وذاكرنا وسهرنا على اللمبة إياها، ومع الراديو أبو بطارية سائلة تشحن من ماكينة الطحين، التى كان يمتلكها العم عبدالحميد غريب، أو بطارية جافة كانت كبيرة وتشترى من محل أحد الخواجات فى طنطا.. ثم إننى أظن كثيرين عشنا ولبينا نداء «طفى النور»، أيام حرب 1956 وحرب 1967 وحرب 1973، وكنا نستجيب ونطفى النور، وندهن الزجاج بالزهرة الزرقاء.. ولذلك فإن مرارتى انفقعت خلاص من الذين قد يكونون مروا بظروف نشأة وصبا وشباب مثلما مررت، وعاشوا الحرب مثلما عشت، ويعلمون أننا الآن أيضًا فى حالة حرب ليس بطائرات إسرائيل وفرنسا وإنجلترا، ولكنها حرب أكثر خطورة هى الحرب التى شنها علينا فساد ونهب نظام مبارك ومن قبله السادات، وأدت إلى نهب بترول وغاز المحروسة وشحنه للصهاينة، وإلى تهالك محطات توليد الكهرباء، وهى الحرب التى يشنها الإخوان وغيرهم بتدمير أبراج الكهرباء.. وهى الحرب المسلحة الحقيقية التى يخوضها الجيش والشرطة ضد الإرهاب.. ثم أفاجأ بأن هؤلاء السادة الذين يشبهوننى فى الظروف ويفوقوننى فى الفهم ماسكين لبانة الكهربا وهاتك يا فرقعة.. وطبعا أعلم أن كلامى هذا سيوصف بأنه من «سيساوى» مغالط.. فزى بعضه!
وأرجع مرجوعى لاستكمال الذكريات إياها، حيث كنا فى نوفمبر أيضا وجاء يوم 29 نوفمبر، الذى هو يوم التضامن العالمى مع شعب فلسطين، وفيما نحن جلوس فى جناح «سويت» صلاح السعدنى فى استراحة استديوهات عجمان، إذا بالأمن يتكلم ليستأذن فى صعود 3 ضيوف فلسطينيين.. وصعدوا:
الأخ أسعد الشريف عن فتح، والأخ نعيم عن الشعبية، والأخ مش متذكر اسمه عن الديمقراطية.. ولم يكن أيامها فيه حماس ولا أنجاس.. وتكلم الإخوة ووجهوا الدعوة للفنانين، ولى، لحضور الاحتفال الكبير بإحدى القاعات الكبرى فى دبى باليوم العالمى للتضامن مع شعب فلسطين.. وتقرر فى مداولات سريعة المشاركة بقراءة أشعار كبار الشعراء الفلسطينيين.. فمحسنة توفيق سوف تقرأ شعر فدوى طوقان.. ومحمد وفيق سيقرأ شعر محمود درويش.. وإبراهيم سعفان سيقرأ شعر هارون هاشم رشيد، وذهبنا وبدأ الحفل، واستمرت قراءة الشعر إلى أن جاء دور سعفلة الجميل، الذى ما إن صعد إلى المنصة حتى انقطعت الكهرباء فإذا به يتنحى بعيدًا عن الميكروفون ويشب على أطراف قدميه ويصيح: أبت التكنولوجيا إلا أن تشاركنا أحزاننا على فلسطين، فها هى الكهرباء قد انقطعت لتثبت المشاركة!
ثم بدأ فى وصلة ظنها هو أنها فكاهة حتى يعود التيار الكهربائى، ولكن استقبال الجمهور، وهم مئات من مختلف الأعمار، فلسطينيين وعربًا آخرين، جعله يسوق فيها ويستكمل الفكاهة فى قالب شديد الجدية: «لقد كنا طلابًا فى معهد شبين الكوم الأزهرى عام 1948 وخللى بالكم من الأزهرى هذه ونادى منادى الجهاد، ونزلنا من المعهد وتوجهنا إلى موقف الأوتوبيسات العام فى شبين الكوم.. واستأجرنا خمس دبابات وستة لوريات.... وتوجهنا بها رأسًا من شبين إلى فلسطين»!
وعلا التصفيق لدرجة أن الناس صفقوا وهم وقوف، فاستمرأ سعفان اللعبة وسحب كرسيًا ليقف عليه لتعويض قصر القامة واستمر: «ووصلنا إلى هناك، وكان من حظنا أن نواجه جحافل اليهود الصهاينة فى بير سبع وعسقلان، وهاجمناهم وقتلنا منهم عددًا كبيرًا».. ليقاطعه المستمعون بالتصفيق والصياح بالله أكبر.. ويستمر إبراهيم سعفان: «وعدنا لنكتشف سقوط شهداء أعزاء من زملائنا على رأسهم الشهيد جرجس عبدالملاك سيداروس، والشهيد بطرس شنودة، والشهيد عباس الأرنؤوطى!» وصار يعدد الأسماء المسيحية والمختلطة دون أن يفطن الحضور إلى أن حضرته كان من معهد شبين الكوم الأزهرى، الذى لا يمكن أن يكون من بين طلابه أحد غير مسلم.. وعدنا.. وانعقدت الجلسة التى سادها ضحك يوجع البطن، وفى اليوم التالى، وفيما نحن جلوس جلسة المساء التقليدية بجناح السعدنى، وسعفان قابع فى ركن الغرفة صامتًا، لأنه خلط «الكيف الهوائى» «بالكيف المائى»، وإذا بمن يدخل مباشرة وهو مالك الاستوديوهات فى عجمان ومن ورائه شاب هندى أنيق يحمل «شفشق» زجاجيًا كبيرًا فيه سائل أبيض وليقول الرجل: سا الخير، أى مساء محذوف منها الميم والهمزة أستاذ إبراهيم.. جبت لك لبن النوق، أى إناث الجمال كما اتفقنا.. اشربه وادعى لى»! وإذا بسعفان وبسرعة هائلة يرد: «شكرا يا راجل يا منيوق»!
ولم يلتقطها أخونا عبدالرحمن مالك الاستوديوهات والاستراحات، ثم دقائق ويستأذن الأمن فى صعود إخواننا الفلسطينيين الثلاثة.. وصعدوا ليقدموا الشكر على زيارة واحتفال الأمس، وبدأ أسعد ممثل فتح فشكر ثم سأل السعدنى: «بدنا نسألك أستاذ صلاح عن موقف الأخ محمود ياسين من القضية»! ورد السعدنى ردًا سريعًا مجاملاً، فإذا بممثل الشعبية يسأل السعدنى: «طيب.. شو موقف الأخ حسين فهمى» فتطوعت أنا بالرد بأن الأخ حسين يباهى بأصوله التركية أو الشركسية، وأن والده كان شماشرجى السلطانة ملك، وهو معادٍ لثورة يوليو إلى آخره.. وعندها شعر ممثل الديمقراطية بأن من واجبه السؤال، فوجه سؤاله مباشرة إلى إبراهيم سعفان، الذى كان قد تلقى تعليمات السعدنى بألا يتكلم حتى لا يهلفط بسبب الخلطة إياها.. وبادره الأخ سا الخير أستاذ إبراهيم، ويرد سعفلة: سا النور يا حبيبى إيش لونك.. تعيش فلسطين يا خويا! ويسأل صاحبنا: «بدنا نسألك عن موقف الأخت بوسى من القضية؟.. وإذا بسعفان يعتدل ويبحلق بعينيه ثم يسحبها إسكندرانى شديدة الغلظة: «بتقول إيه يا ابن... بوسى يا ابن.. ملعون أبوك على أبو القضية إذا كانت وصلت لكده.. طيب اسألنى عن موقف الاتحاد السوفيتى.. موقف أمريكا.. موقف ألمانيا.. موقف أمينة رزق.. إنما بوسى.. قوم يلعن..». وانفجرنا فى موجات من الضحك، لأن سعفلة كان يحاول القيام للهجوم على الأخ وهو لا يستطيع جر وسطه، فصار يضرب بيديه فى الهواء حتى غاب عن الوعى!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة