أكرم القصاص - علا الشافعي

د. محمد على يوسف

الرأى والرأى.... نفسه

الخميس، 27 نوفمبر 2014 03:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا» هكذا قال قوم ثمود لنبيهم صالح عليه السلام حين جاءهم بما لم يعجبهم، كنت مرجو النفع يؤمل فيك العقل الراجح والفكر السديد، كنت محمودا موقرا يُقتدى بأخلاقك وتُقدر أقوالك، كنت.. فى الماضى، أما اليوم قد فقدت مكانتك بيننا بعد أن جرؤت أن تختلف معنا وتقول بخلاف ما توارثناه عن آبائنا وساداتنا وكبرائنا فلتفقد مكانتك وليدنو قدرك إذاً أو فلتكف عما تقول أسلوب يحمل بداخله ترهيبا وترغيبا. التذكير بالمكانة السابقة والترهيب من خلال التهديد بنزعها والترغيب الضمنى باستعادة تلك المكانة وربما زيادتها إذا استجاب ولم يخالف التيار.

عبارات كثيرا ما يصدرها أصحاب هذا الأسلوب من نوعية سقطت من نظرنا»، «صدمنا فيك»، «فقدت مكانك» إلى آخر تلك العبارات التى يكون الغرض الأساسى منها تخويف من يقول الحق الذى يدين به وإسكاته أو ضمه لركب هؤلاء ليكون فى النهاية مجرد صدىً لأصواتهم، تماما كما فعل أهل مدين مع نبيهم شعيب عليه السلام حين قالوا: «يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِى أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيد»، استهزاء وسخرية يحملان تذكيرا بسابق العهد وسالف المكانة.. أنت يا شعيب!! أنت يا من كنت فينا حليما رشيد. أنت يا من عُرفت بحسن الأخلاق ورجاحة العقل ومكارم الصفات يصدر عنك هذا القول.

لم يكن الأمر هنا قاصرا على السخرية وحسب كما قال القرطبى والبغوى والرازى ورجحه الشيخ الشعراوى رحمه الله بل كان يحمل ذلك التذكير بهذا المقام الذى كان له بينهم والمزايدة عليه.

المقام الذى يوشك أن يفقده لأنه خالفهم وتجرأ أن يتكلم بغير قولهم ويختار ما يباين خياراتهم.
وبالفعل لم يمض كثير من الوقت حتى تغيرت اللهجة وزال الاحترام ورحلت المكانة قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ»، فى لحظات صار ذلك الذى وصفوه بالحليم الرشيد يتكلم فى نظرهم كلاما غير مفهوم وصار ضعيفا فيهم ولم يعد عزيزا بينهم بل وهددوه ضمنيا بالرجم، لماذا كل هذا؟! لماذا تحول الأمر هكذا مع الأنبياء ختاما بالنبى محمد صلى الله عليه وسلم الذى كان يلقب بين قومه بالصادق الأمين فلما قال ما لم يوافق الهوى ولم يشابه ما يقولونه إذا به يُرمى بالكذب والسحر والكهانة ويكون أول من يتوعده عمه تبت يداه، لأنهم اجترأوا على أن يجهروا بما دانوا لربهم أنه الحق، لأنهم حطموا التصورات السائدة وقرروا أن يصدعوا بما اعتقدوه وإن خالف عموم الناس أو ضايقهم، طبعا الأمر فى الأمثلة التى ضربتها فى باب العقائد لكنه فى شأن الرأى أدهى وأمر، إنه الرأى والرأى نفسه، هذا هو ملخص ما يريده كثير من الناس اليوم ومآل جل حواراتهم -إن تحاوروا أصلا- وهذه هى خلاصة توجهاتهم .

طالما أنك تشبهنى ورأيك مثل رأيى وقناعاتك تطابق قناعاتى فأهلا بك وسهلا وعلى الرحب والسعة وحبيبى وصاحبى وتاج رأسى كمان. أما إذا فكرت يوما مجرد تفكير أن تخالفنى أو أن تخرج عن النسق الذى قررته لك فى ذهنى فتبا لك سائر اليوم والأيام القادمة ولتسقط عنك أى فضيلة وليزل عنك أى حق وليقال لك: أنت شرنا وابن شرنا كما قالت يهود لعبدالله بن سلام حين خالفهم وقد كانوا يصفونه قبلها بخيرهم وابن خيرهم وأعلمهم وابن أعلمهم هو قولنا وحسب. لا يوجد تقريبا اليوم ما يسمى بالرأى والرأى الآخر أو مواجهة الفكر بالفكر والاختلاف بالحوار أو رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب. بل لا يوجد شىء أصلا اسمه رأى غيرى خطأ «كدة حاف» بل رأى غيرى خطيئة وإجرام وخيانة وربما كفر وزندقة ومروق وباقى القائمة المعروفة والجاهزة ليُرمى بها صاحب النصيب الذى قرر أن يكون له رأى.. آخر.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

وطنيه

سيأتى الوقت ويصبح أختلاف و ليس تصارع

عدد الردود 0

بواسطة:

زائر

خير الكلام ما قل و دل

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة