أكرم القصاص - علا الشافعي

حنان شومان

عودة عيسى بن هشام فى آخر الزمان «3»

الجمعة، 26 أكتوبر 2012 03:48 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ظهر لى عيسى بن هشام فى يوم جمعة الحساب، وقرر أن يصحبنى لميدان التحرير ليتفقد رعية مصر المحروسة ويعرف أحوالهم، وللأسف نالته طوبة من الإخوان الرافضين للحساب فشجت رأسه، فصحبته لمستشفى للعلاج فواجهنا إضراب الأطباء ولم نجد له علاجا، فقررت أن أصحبه لكافيه لأضمد جراحه بأسلوب الأجداد ببعض من البن وأكبس به رأسه، ولكن فى الطريق المزدحم المرتبك صدمنا لورى فزاد من جرح بن هشام، فكانت ورطة ما بعدها ورطة حين راح يصرخ «آواه! آواه! ما بال هذا البلد برأس بن هشام! لقد شجت رأسى اللورى كما فعلها من قبل الإخوان!»
الحلقة الثالثة:
راح المارة يتجمعون حولنا وأنا فى مأزق من أن يكتشف أحد أسلوب حديث بن هشام الذى لا يتناسب مع العصر ووقتها سيتحول الأمر لسين وجيم وقد يظنونه «أفغانى أو أى أجنبى» فيتهموننى بمصيبة، فقررت أن أتنازل عن حقى المهضوم أصلاً من سائق اللورى وأحاول الخروج من مكان الحادث بأسرع ما أستطيع، فإذا بابن هشام يصرخ فى «أين العسكر..أين العسكر..أين الحق فى رأس بن هشام؟»
وما أن سمع البعض كلمة عسكر حتى بدأوا بهتاف يسقط يسقط حكم العسكر فإذا بابن هشام يستوقفنى ويقول: «هذا جنون كيف يسقط حكم العسكر يا بلد وهو المفروض حكم العدل فى العباد، وحق رأسى ممن أدموه وكسروه» وبدأ البعض يلتف حوله متسائلاً فى تعجب: «هو أنت فلول وعايز العسكر؟!» يا داهية دقى على دماغ بنت شومان وسنينها السودة، وكدت أن أقبل يد ابن هشام كى يتحرك وأنا أقول للجموع «يا ناس ده يقصد عسكرى الشرطة علشان محضر لكن أنا متنازلة» فرد أحدهم من بعيد «برضه يعنى الراجل ده بينادى على عسكر الشرطة وكأنهم حينفعوه دول زى قلتهم وبعدين سواق اللورى غلبان، وكمان أنت ست والستات سبب كل البلاوى فى البلد، ما تقعدوا فى بيوتكم أحسن» ثم راح أحدهم فى الزحام يقول: «ثم الأهم الراجل ده يقرب إيه ليكى يا ست، أنتم مش شبه بعض يعنى مش أخوكى، وهو مش لابس دبلة يعنى مش جوزك أمال يبقى مين لأن كده الأمر ما يريحش وأنتم فى عربية يعنى خلوة وأكيد الحادثة حصلت لأنك كنت ملخومة فى حاجة تانية!!!»
يا داهية دقى بالقوى، فما كان منى إلا أن طلبت من بن هشام تركيب ريح فى قدميه لنجرى من المكان وإلا شُجت رأسه للمرة الثالثة وقد كان، هرب معى بن هشام وركبنا السيارة واختفينا فى الزحام.
وراح رفيقى يقول: «آواه آواه ما الذى أصاب أهل المحروسة من جنون فعن أى فلول يتحدثون؟ وهل أنا أشبه عسكر الفرنجة؟ ثم هل أنتم محتلون ولا عسكر لكم حتى إذا ذكر أحد كلمة عسكر أصاب الناس مس من جنون؟ وما بال هذا الذى يسأل عن علاقتى بك هل قوانينكم صارت تمنع الاختلاط إلا فى حدود الأخ والزوج فهل صرتم على غير دين الإسلام رغم أنى أرى كثيرا من المآذن ؟».
أسئلة أمطرنى بها ابن هشام وأنا مخنوقة ومن الناس مبؤوءة، فرحت أحكى أصل الحكاية وأن كلمة العسكر صارت عند بعض المصريين مرادفة للجيش أو بالتحديد مرادفة للمجلس العسكرى الذى لم يرضيه حكمهم سواء فى المرحلة الانتقالية أو منذ ثورة يوليو 52 وبالتالى كان على أن أحكى تاريخ حياة المصريين على مدى ستين عاما، وكيف يشعر البعض أن الجيش سطا على كل السلطات ولم يستطع أن يمنع استبداد بعض رجاله ولم يمنح المصريين إلا انتصارا عظيما يوم 6 أكتوبر ولكن أفسده الهليبة والسلام المنقوص، حكيت لابن هشام كيف أن حكم العسكر فينا لم يكن للارتقاء ولكنه كان حكماً ظالماً انتهى بثورة ضد بعض رموزه، وكيف أن هناك ردة فى الأفكار تريد أن تقيم الحد بالشبهات وترى فى المرأة كل ضلال.
ثم فجأة توقفت عن الكلام حين أدركت أنى أقوم بدور الراوية للحكايات، وأن هذا هو الدور التاريخى لابن هشام وتعجبت كيف تتبدل الأحوال فيصير حديث عيسى بن هشام الشهير على بختى الأسود هو حديث بنت شومان فى هذا الزمان، وكنت أظن أن مصاحبة عيسى بن هشام ستعنى لى أن أسمع حكايات وحكايات لا أن أدوخ السبع دوخات برجل حين يتألم يقول أوآه ويريد أن يعرف كل ما فات. وأنا بصراحة تعبت من الأحداث وحين أرويها أتعب أكثر، فما كان منى إلا أن قلت له بس خلاص سنذهب إلى الكافيه ويأتى دورك أنت لتحكى لى عما فات، فكأنى شهرزاد التى قررت أن تسكت عن الكلام المباح.
وبالفعل ساد الصمت بيننا بعض الوقت إلى أن سمعت ابن هشام يصيح وهو ينظر إلى إعلان كبير معلق فى الشارع ويقول: «الله يا أبناء المحروسة يا مصريين لقد فقتم أجدادكم فى التوسع قولى لى عن بورتو السخنة وبورتو مارينا فى أى بقاع من الأرض تقع هذه الموانى التى بنيتوها يا أحفاد بناة الأهرامات هل فى أفريقيا أم أوروبا وعمرتوها واستخلصتوها لأنفسكم وها أنتم تعلنون عن سيادتكم لها بالإعلانات؟!!!»
ولم أفهم ما كان يقول الرجل بل حسبته هذيان فمال أوروبا وأفريقيا والأهرامات ببورتو مارينا والسخنة، ولكن على كل حال اضطررت لأن أقطع صمتى وأقول له أن بورتو هذه مناطق سكنية ترفيهية على الشواطئ يذهب إليها المصريون فى الصيف أو الشتاء لعدة أيام للترويح ويدفعون فيها دم قلبهم طوال العام ولكنهم يسكنوها لعدة أيام.
وهنا راح بن هشام يصرخ «ماذا تقولين مناطق ترفيهية وإنفاق أموال، أى ليست من أجل جلب المال للبلاد والعباد! أى عقل هذا الذى يعمر الأرض من أجل أيام ولا يقيم فيها ما يجعلها مناطق للإنتاج والقوة، آه يا أحفاد! أوتدرين يا بنت شومان أن الخديو إسماعيل فى زمنه الميمون بنى فى جنوب الصومال فى أفريقيا بورت إسماعيل وكانت تابعة لمصر المحروسة يعمل فيها أهل البلاد ويديرها القادة ويذهب ريعها لخزينة العباد!»
يا دى المرار الطافح بورتو إسماعيل فى جنوب الصومال ونحن الآن عندنا مصيبة سد النهضة فى إثيوبيا الذى سيشفط حقنا فى المياه والتى يروى كثير منها ملاعب جولف بورتو إسماعيل أقصد مارينا والسخنة يا داهية دقى! ثم هاهى ميناء العين السخنة تتحول إلى سراب وتوضع فى القائمة السوداء للموانى ولا أحد يتحرك، فين أيامك يا جدنا إسماعيل يا بتاع بورتو إسماعيل؟!!!
ولم أكن قد أكملت كلمة إسماعيل إلا وقد أشار لنا شرطى مرور بالتوقف لأن هناك موكبا سيقطع الطريق وكان الموكب عبارة عن 12 سيارة سوداء تنهب الطريق نهباً، وطبيعى طبعا أن يسألنى حكيم زمانه ابن هشام عمن يكون صاحب الموكب الهمام فقلت له إنه موكب الرئيس المؤمن فى طريقه لصلاة الجمعة فرد «يا الله وكأن الزمان يعيد حكاياته البائسة فأنا أتذكر موكب الخليفة عبدالحميد لصلاة الجمعة الذى كان يقصده القاصدون من أوروبا لرؤيته، فما كان قيصر فى موكب انتصاره ولا الإسكندر فى يوم افتخاره أملأ للقلوب مهابة ولا للعيون بهاء من رؤية جلال السلطان يوم الجمعة فى موكبه وبالتأكيد هذا موكب أقل منه قيمة».
أيوه كده يا معلم أحكى وقول وعن زمانكم وزمن حكامكم وابدأ فى الحكاية والرواية، فأكمل ابن هشام دون أن يلتفت لقولى وهو يتساءل «كيف يأمنوه وهل بالعسكر يحيطوه؟ وهنا يا بنت شومان سأذكر لك الحكاية: مر على الأستانة عاصمة الخلافة رجل من العلماء ولما رأى موكب السلطان ووقوف العساكر يحرسونه ولا يصلون وقت الصلاة سأل أحد مشايخ الحضرة السلطانية قائلاً: يا شيخ الأستانة أيجوز فى الشريعة أن يقف بعض المسلمين حول المسجد وداخله وقد سمعوا آذان الجمعة وشهدوا الناس يصلونها ولا يجسر أحد منهم أن يصليها للحكم القاهر عليهم فقد قال الضابط للعساكر قفوا هنا ولا تصلوا فأطاع العبد العبد وعصى العبدان الله، إن الله لم يبح للمسلمين ترك الصلاة إلا فى حال الخوف وقد بين لنا الله سبحانه وتعالى فى كتابه هذا الأمر، يا شيخ الأستانة إن الله أمر النبى أن يقسم المؤمنين طائفتين تصلى واحدة وتحرسها الأخرى فى ساعة الفزع الأكبر والدماء سائلة والألباب طائشة والعدو بالمرصاد وينتهز الفرصة، وأنا لا أرى أيها الشيخ الدماء تسيل لديكم أو ما يستوجب تقسيم المسلمين لطائفتين من أجل السلطان، فرد عليه الشيخ قائلاً: هذه سياسة فيها إرهاب العدو ألا ترى الأجانب قد احمرت وجودهم عند رؤية هذا الموكب! فتعجب العالم الجليل من التفسير وقال للشيخ والله لو كان لديكم فى الشريعة ما تفسروا به السياسة انشروه على المسلمين وإلا كان الإثم عليكم لا على السلطان، فتغير وجه شيخ الأستانة ووجه كلامه للعَالم وقال إن بقيت فى هذه البلاد إلى الغد والله لأكلتك الأسماك! هكذا كان الشيوخ الذين يحيطون بالسلطان وكم استخدموا كلمة الشريعة لهدم البنيان، فماذا عن شيوخكم الآن؟»
اعترانى الهم والغم فحديث الشيوخ وما أكثرهم الآن حديث ذو شجون له تاريخ من الخذلان، فهل أقول لابن هشام، ماذا يفعل بنا شيوخ الإفتاء والفتنة على الفضائيات وفى كل مكان أم أصمت كما فعلت شهرزاد عن الكلامو؟ وأثناء ما كنت أفكر فى هذا الأمر أتى صوت ابن هشام صارخاً «ما بال بلادكم مكشرة مغبرة ونساء المحروسة اللاتى كان يضرب المثل بجمالهن صرن أقرب للقبح من الجمال ومثال للبهدلة؟!»
وهنا كان على فعلا أن أصر على دور شهرزاد التى سكتت عن الكلام المباح فمن الشيوخ للنساء يا قلبى لا تحزن!!
وإلى حكاية قادمة لو كان فى العمر بقية وفى النفس رغبة فى الاستمرار مع عيسى بن هشام الذى يؤجج الهم والغم الآن وبتاع زمان!!!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

الاسطي الميكانيكي

حقا

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة