أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد الدسوقى رشدى

أم الرئيس !(1)

الأربعاء، 27 أبريل 2011 12:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الموروث الشعبى والدينى والفطرى للمصريين يأخذ الأم من يدها ليضعها فوق القمة، والمصرى غالبا ماتتشكل شخصيته على أيدى الأم دون أن يدرى، هى الجليس الوحيد فى بيت لا يدخله الأب العامل إلا مع غروب الشمس.

فى كتب التاريخ المزيد من الحكايات عن الملكة الأم التى كانت تقود سفينة الحكم من خلال سيطرتها الكاملة على ابنها الملك، وحساب وتحليل علاقة الرئيس- أى رئيس- بوالدته يمكنك أن تكتشف كيف أثرت عملية البعد أو القرب، والبر أو العقوق على مصير البلد وكيفية تسيير أحداثه، من خلال علاقة عبد الناصر بوالدته فهيمة أو علاقة السادات بوالدته ست البرين أو علاقة مبارك بوالدته نعيمة تستطيع أن تكشف الكثير من الألغاز السياسية والنفسية التى كانت تدور فى فترة حكم كل رئيس منهما وتستطيع أن تفهم لماذا سادت الأحلام عصر عبد الناصر وانتصرت البلد ثم ارتبكت فى عصر السادات، قبل أن تغرق فى بحر الكوابيس والخراب فى عصر مبارك.

الغالب فى الأمر أن رؤساء مصر الثلاثة لم يتحدثوا عن أمهاتهم بشكل كبير، خاصة الرئيس السابق مبارك، وربما يعود ذلك إلى تلك الطبيعة المصرية المسيطرة والتى تجعل من ذكر اسم الأم عيبا فى حد ذاته، لدرجة أن المصرى كان يقاتل من أجل منع وضع اسم والدته فى بطاقته الشخصية، ربما من هذا المنطلق لم يتحدث رؤساء مصر عن أمهاتهم، غير أننا لا نستيطع أن نغفل ذلك التأثير الرهيب الذى تركته فهيمة حماد على جمال عبد الناصر أو ست البرين خير الله على أنور السادات أو نعيمة إبراهيم على حسنى مبارك، وربما ستكتشف من علاقة الرؤساء الثلاثة بأمهاتهم مدى صدق تلك الحكمة المصرية الأصيلة التى تقول إن رضا الأم عن وليدها يكون سببا فى رضى الرب وعبيده على الوليد نفسه.. وتعالوا نتابع معا كافة الحواديت حسب ترتيبها الزمنى.

من المؤكد أن دموع الرئيس المصرى الراحل جمال عبد الناصر كانت تداعب عيناه كلما طالعته النتيجة اليومية بتاريخ 21 مارس وأدرك أن اليوم هو عيد الأم وربما أخذه الشوق وجلس إلى ركن مكتبه يمارس هوايته القديمة ويخط بقلمه بعضا من كلمات الحب والافتقاد والعشق التى كان يكتبها لأمه التى عاش معزولا عنها برغبة الظروف ورغم أنف قلبه، صحيح أن السيدة فهيمة حماد والدة جمال عبد الناصرلم تعش له طويلا لكى نقول إنه تأثر بها أوأنها قامت بتشكيل وجدان وشخصية وليدها مثلما هى عادة الامهات، إلا أن الظروف التى تطورت فيها علاقة عبد الناصر بأمه السيدة فهيمة حماد، رحمها الله، كانت كافية لبناء طفل من طراز مختلف نعرفه كلنا.. طفل حصل على الحنان دفعة واحدة ثم افتقده فجأة، حينما إكتشف أنه أصبح يتيما قبل العاشرة من عمره وربما تكون العاطفة المكبوتة بداخل عبد الناصر كانت سببا غير مباشر فى تلك الحميمة التى كانت تظهر فى خطبه وكلامه وصوره وربما كان المخزون العاطفى الذى ظل حبيسا بداخله بعد رحيل الأم هو نفسه الذى انطلق بحرارة ليتعامل مع الجمهور ويكسب وده وحبه فكاريزما عبد الناصر التى يتحدث عنها الكل عاطفية فى أغلب فى أغلب مكوناتها.

العودة إلى الخلف قليلا مع حياة جمال عبد الناصر ستكشف لنا طبيعة علاقته بوالدته السيدة فهيمة حماد ابنة تاجر الفحم الإسكندرانى، التى تزوجها الحاج عبد الناصر حسين الذى ولد بقرية بنى مر وعاش فى فقر مع أسرة لا تملك أن تفعل لأولادها أكثر من أن ترسلهم للكتاب ولكن طموح عبد الناصر حسين كان أقوى واستطاع تحقيقه حينما دخل المدرسة ووصل إلى مايسمى بالكفاءة، وسافر للإسكندرية دون أن يملك قرشا واحدا فى جيبه وعمل "شيال" لأكياس الفحم بجانب كونه موظفا فى البوستة.. هكذا تكلم عبد الناصر حسين والد رئيس الجمهورية وحكى عن نفسه سنة 1964، كما روى الأستاذ هيكل فى برنامجه الذى يذاع على الجزيرة.

الأب الذى كان يحمل أكياس الفحم لدى تاجر معروف فى منطقة باكوس بالإسكندرية اسمه الحاج محمد حماد دفعه طموحه لأن يتزوج من ابنة التاجر الذى يعمل لديه وكان الأمر صعبا كما يحكى غير أن وظيفته فى البوستة شفعت له وسهلت الأمور وتزوج فهيمة حماد التى كان جمال عبد الناصر أول أولادها، بالتأكيد أن تعلم ما للطفل الأول من محبة وخصوصية فى مثل هذا الوضع.. أب يعمل صباحا وليلا ويحصل على 8 أو 7 جنيهات وأم من بيت ميسور الحال رزقها الله بولد مع أول حمل لها، الموروث الشعبى للمصريين يقول إن الطفل البكرى خاصة حينما يكون ذكرا فإن له وضعه المميز، خاصة مع والدته التى تنمو بينهما تلك الرابطة التى تحكمها العاطفة والحب والدلع، فالطفل الأول غالبا ما يحصل على دفعة الحنان الأولى من الأم والتى تكون مخزنة منذ زمن بعكس من يأتى بعده من أطفال تقتسم معهم متاعب الحياة عاطفة الأم هكذا كانت بداية عبد الناصر أول مولود لعائلة متوسطة حصل على نصيبه كاملا من رعاية أمه بأنواعها المختلفة ولم يقاسمه فيها أحد وهذا ماسوف يتضح حينما تنتقل الأسرة إلى منطقة الخطاطبة، حيث عمل الوالد الجديد فى مركز البوستة ويظل عبد الناصر فى مدرسته الابتدائية بالإسكندرية.. هنا تأخذ العلاقة بعدا أكثر عاطفية ودراماتيكية بكل تأكيد أثر كثيرا فى حياة الزعيم الراحل فيجلس جمال عبد الناصر التلميذ الصغير ليكتب بقلمه وبخطوط متعرجة تعبر عن حالة تلميذ صغير ويكتب كلمات ثلاثة فى خطاب يرسله لأمه عبر البريد، ليعبر لها عن شوقه وحبه وافتقاده لها، ولك أن تتخيل كم المعاناة التى كان يمر بها التلميذ الصغير الذى كان "يدوب" يحاول فك الخط وهو يحاول أن ينقل مشاعره المختزنة بداخله لأمه البعيدة عنه، ربما كان ذلك سببا فى إجادة عبد الناصر للخطابة والتأثير فى الناس، ربما كانت محاولاته التى بدأها منذ نعومة أظافره سببا فى إجادته للتعبير عن نفسه والتعبير بشكل مؤثر عن مايريد قوله.

هكذا سارت علاقة الابن المفضل مع أمه زيارات خاطفة ورسائل بريدية تعبر عن حالة من الحب والعشق والفقدان حتى جاء يوم الصدمة...

الطفل الصغير جمال عبد الناصر انتهى من مدرسته واستعد للعودة إلى حضن أمه، تلميذ الابتدائى صاحب السنوات الثمانية كان فى طريقه إلى الخطاطبة ويحلم بتلك العلاقة الدافئة التى تغنيه عن رسائل البريد التى يعانى فى كتابة كلماتها وهاهو الآن يستعد لعناق طويل مع أمه "فهيمة" يغنيه عن أيام الفراق ويعوضه صعوبة الوحدة، بعد سنة كاملة من الغياب كان الطفل الصغير يستعد لكى يرتمى فى أحضان أمه لكنه لم يجد ما ذهب من أجله..

دخل الطفل جمال عبد الناصر إلى بيته فى الخطاطبة ووجد سيدة تعيش فى البيت.. سيدة اسمها عنايات الصحن وليس فهيمة حماد.. ليست أمه التى قالوا له إنها توفيت منذ فترة ولم يخبره أحد خوفا عليه من الصدمة.

ماتت أم جمال عبد الناصر وظل لشهور طويلة لا يعرف ذلك، يكتب الخطابات ويقول فيها مايقول من حب وعشق ولعله كان يكتفى بأمى العزيزة.. وحشتنيى!
ظل يفعل ذلك وهو لايدرى أنه قد أصبح يتيما وأن أمه قد ماتت وأن أباه جاء إلى الإسكندرية وتزوج من عنايات الصحن دون أن يقول لطفله الصغير جمال عبد الناصر الذى قال عنه محمد حسنين هيكل وهو المقرب منه جدا أن علاقة جمال عبد الناصر بوالدته السيدة فهيمة حماد كانت حميمية جدا وأنها أثرت فيه بشكل كبير وأنه صدم كثيرا حينما فقدها.

ويبدو أن جمال عبد الناصر ظل يحب أمه بنفس الطريقة التى كان يحبها بها حينما كان بعيدا عنها ويبدو أنه ظل يفتقدها لدرجة أنه كان كلما تكلم عنها وهو رئيس للجمهورية كانت الدموع تبدأ فى الظهور داخل عينيه، وطبقا لكلام هيكل الذى كان مقربا لعبد الناصر أنه كان يذكرها كثيرا وكلما يأتى على ذكرها كانت الدموع تفوت فى عينيه.

- غدا نعرف كيف أثرت "ست البرين" على الرئيس الراحل أنور السادات.. وعلى مستقبل مصر!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة