أكرم القصاص - علا الشافعي

أكرم القصاص

شيخ الأزهر الجليل.. لولا السياسة

الجمعة، 12 مارس 2010 12:08 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان شيخ الأزهر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوى يمتلك وجها طيبا باسما، وصوتا حنونا نوعا ما، لكن الرجل فى سنه الكبير كان هدفا دائما للاستفزاز، من قبل الصحافة والإعلام التى عرف كثيرون منهم طبيعة الشيخ العصبية، وتعمدوا دائما أن يوجهوا إليه أسئلة حول قضايا سياسية ومواقف سياسية. مع أن الأزهر مؤسسة دينية فى الأساس، وكان الدكتور طنطاوى علامة فى فتاواه وآرائه، لكنه دائما ما كان يقع فى أول فخ استفزاز يقترب منه، وباعترافه لم تكن له دراية بالسياسة، ولم يكن يعرف توازناتها ولا دهاليزها، السياسة أساسها التحول والتغير وانقلاب المواقف، بينما الدين يميل إلى الثبات، تحيطه النصوص من كل جانب. وقد رأينا كيف يقع أكثر الشيوخ حنكة فى فخاخ السياسة وبحورها الواسعة.

لقد تورط الكثير من العلماء الأجلاء فى آراء حملت اسم الفتاوى، وهى مجرد آراء سياسية ومن ينسى الارتباك الذى أصاب فضيلة الشيخ محمد متولى الشعرواى عندما غادر عالمه الأثير، واقترب من عالم السياسة بالقرب من الرئيس السادات وجهر بآراء حسبها البعض عليها وهاجموه بسببها، كانت السياسة ولم يكن الدين، وربما يذكر البعض كيف أصدر الشيخ الراحل فتاوى متناقضة عندما قال عمن يفجر نفسه من الفلسطينيين فى وجع الإسرائيليين ليس شهيدا، ولما هاجمه المهاجمون عاد وغير الفتوى واعتبر المجاهدين ومفجرى أنفسهم شهداء.

ومازلنا نرى الكثير من الدعاة القدامى والجدد ينجرفون إلى آراء متناقضة إذا فكروا فى الاقتراب من عالم السياسة.

الدكتور محمد سيد طنطاوى وغيره من كبار العلماء يفترض أن يبتعدوا عن السياسة وأن تحرص السلطة على أن تبعدهم عنها حتى لايساء فهمهم ولا يسىء أحد إليهم.

الشيخ طنطاوى كثيرا ما اضطر تحت ضغط الإحراج أن يلتقى ببعض السياسيين الإسرائيليين، وهو أمر جر عليه الكثير من العنت وتسبب له فى مواقف ملتبسة، فقد كان الشيخ الجليل يرى الأمر من منظور حوار الأديان، لكن لا خصومة ولا الإسرائيليين كانوا يرون الأمر من هذه الزاوية.

الأمر نفسه فى فتاواه الأخيرة بشأن الجدار العازل. الذى هو فى الأصل عمل من أعمال السياسة. حاول البعض توظيف الدين لمواجهته أو لتأييده، مع أنه جدل سياسى فى الأصل، انقلب إلى جدل دينى وحدث تكفير متبادل، وهناك شيوخ كبار يتحرجون من الإفتاء فى أمر يناقض سياسة البلد الذى يقيمون فيه، وفى السعودية رأينا كيف غير بعض الشيوخ مواقفهم من المدارس المختلطة عندما قرر الملك عبد الله افتتاح جامعة مختلطة.

بعيدا عن السياسة كان الشيخ طنطاوى صاحب فتاوى أقرب للوسطية تميل للاعتدال والتيسير، وقد انتقده بعض المتعصبين عندما أصدر فتواه بشأن البنوك باعتبارها من عناوين العصر، وهى فتوى سبق وأصدر مثلها الشيخ محمد عبده، لكن عندما أطلقها الدكتور طنطاوى فتحت عليه أبواب الهجوم. لأنه فرق بين الربا وما تمنحه البنوك.

وبالرغم من أن فتاوى البنوك ارتبطت بشيوخ السعودية فى الأساس فقد كانت البنوك السعودية مثل فيصل تستفيد من تحريم البنوك العادية لصالح بنوك تتعامل مع الرأسمال فى العالم، بينما تسمى الأشياء بغير مسمياتها، لقد كان أقل شىء يستفز الدكتور طنطاوى وهو أمر كان يدفعه للتصرف بعصبية وعنف أحيانا مثلما فعل مع الفتاة المنقبة، فقد تصرف بعنف فى وقت كان عليه أن يتصرف بحكمة ومجادلة. وهو أمر جعل الشيخ عرضة لهجوم من مهاجمين جاهزين له دائما. على أرضية سياسية.

كان الدكتور طنطاوى شجاعا بينما واجه الهجوم عليه. وكانت السياسة وليس الدين هى سبب الهجوم على الرجل، وكان عليه وهو الشيخ الجليل أن يبتعد. ويفترض على كل صاحب سلطة أو طموح سياسى أن يبعد الفقهاء عن أمور الدنيا التى تحتمل الجدل والمناقشة والاختلاف فى الآراء. ونرى الآن عملية خصخصة للفتوى، حسب هوية كل قناة فضائية سواء أكانت سلفية التمويل أو شيعية. لأنها السياسة بلا قلب ولا اعتقاد. ولهذا يدعو العقلاء لإبعاد السياسة عن الدين حتى لاتسىء إليه. رحم الله الشيخ طنطاوى عالم جليل استفزته السياسة وأساءت إليه. وأهم درس أن يترك قيصر مال لله، وأن يبتعد السياسيون بكل أنواعهم عن الأزهر.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة