أكرم القصاص - علا الشافعي

بسمه موسى

حرية العقيدة للأقليات(1)

الأحد، 10 يناير 2010 06:59 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مضى الآن ما يزيد على نصف قرن منذ إعلان الجمعية العمومية للأمم المتحدة بإجماع أعضائها باسم الأسرة البشرية جمعاء الميثاق العالمى لحقوق الإنسان الذى بموجبه أضحت المساواة فى الحقوق هى المرآة التى تنعكس فيها الكرامة الإنسانية التى تميز جميع أفراد الجنس البشرى على وجه الإطلاق، وعلى هدى مبدأ المساواة هذا الذى يستظل فى حماه كل البشر قرر الإعلان العالمى حق كل إنسان فى أن يستقل عن غيره فى التفكير والاعتقاد والإيمان.

وتابعت الأمم المتحدة جهودها المشكورة فى هذا المجال بتفصيل المبادئ التى سبق أن تضمنتها تلك الوثيقة التاريخية، وتقنين هذه التفاصيل فى اتفاقيات وعهود دولية تكوّن فى مجموعها القانون الدولى الخاص بحقوق الإنسان وحرياته. فكان العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية أحد هذه الاتفاقيات التى صدقت عليها معظم دول العالم، كما فعلت جمهورية مصر العربية التى صدقت على هذه المعاهدة الدولية بموجب القرار الجمهورى رقم ٥٣٦ لسنة ١٩٨١م ونشرت نصوصها فى الجريدة الرسمية بتاريخ ١٤ أبريل١٩٨٢ م، وبذلك أدمجت نصوص هذا العهد بكاملها فى القوانين السارية فى مصر وفقاً لنص المادة ١٥١ من الدستور. ويعنى هذا أن نظامنا القانونى قد تغير من ذلك التاريخ بحيث أصبحت نصوص العهد المذكور جزءاً مكملاً للدستور، وأصبحت لنصوصه قيمة دستورية تلغى كل القوانين السابقة المخالفة لمضمونها، ولا تسمح بسن قوانين لاحقة لا تتفق معها.

ومن مضمون الحق فى حرية الفكر والوجدان والدين كما أقرتها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بالأمم المتحدة فى التعليق العام رقم 22 لسنة 1993م:" إن الحق فى حرية الفكر والوجدان والدين الذى يشمل حرية اعتناق العقـائد الواردة فى المادة 18هو حق واسع النطاق عميق الامتداد وهو يشمل حرية الفكر فى جميع المسائل وحرية الاقتناع الشخصى واعتناق دين أو معتقد سواء جهر به الفرد بمفرده أو مع جماعة. لا يمكن الخروج عنه حتى فى حالات الطوارئ العامة على النحو المذكور فى المادة 4-2 من العهد. ولذا تنظر اللجنة بقلق إلى أى ميل إلى التمييز ضد أى أديان أو عقائد لأى سبب من الأسباب بما فى ذلك كونها حديثة النشأة أو كونها تمثل أقليات دينية قد تتعرض للعداء من جانب طائفة دينية مهيمنة.

وأظهرت أعمال الأمم المتحدة فى السنوات الأخيرة ً أهمية خاصة للرباط الوثيق بين التنمية والأمن، وحقوق الإنسان، الأمر الذى يدعونا جميعاً للبحث من جديد فى الدور الهام الذى تلعبه حرية التفكير وحرية الضمير وحرية الأديان فى حياتنا الفردية والجماعية على السواء، وما تستتبعه هذه الحريات من مسئولية كبيرة ملقاة على عاتق الجماعات - أقليات كانت أو أكثرية - فى توجيه الأفراد فى انتفاعهم بها حتى يتمكن كل منهم من القيام بدوره فى خدمة مجتمعه وتهيئة الظروف المواتية لنهضته. وبذلك تؤدى الأقليات واجبها نحو تنمية الموارد البشرية والاقتصادية لبلادها بما يعود بالنفع فى نهاية المطاف على الأسرة البشرية كلها.

فالأقليات جزء لا يتجزأ من المجتمع وأفرادها من صميم أبناء وبنات الأمة، وقد شاركوا بعرقهم وبذلوا دماءهم فى سبيل نهضة بلادهم واستقلالها، ولا يقلون فى الولاء لأوطانهم عن غيرهم، ولا مناص عند الحديث عن الأقليات من الرجوع إلى التاريخ. فقد عرف الشرق الأوسط من قديم الزمن التعدد فى المدارس الفكرية، والتعدد فى الأديان، والتعدد فى المعتقدات. وعاشت فيه - ولازالت توجد به - طوائف مختلفة مثل الأشوريين والأرمن والأكراد والتركمان والطوارق والدروز والإسماعيليين والشيعة والسنة والمتصوفين والعلويين والكلدان والأقباط واليهود والبهائيين وغيرهم كثير، فليس قصدى هنا حصر الطوائف المختلفة بقدر محاولتى تقديم مثال على التعدد الطائفى الذى عرفه ومازال يعرفه الشرق الأوسط. وهذا ادعى بنا اليوم للتأكيد على إزالة العوائق التى تُوّلد الخلافات والانقسامات، والسعى للتقارب بالتركيز على الأصول بدلا من الفروع، لأن أصل الأديان جميعها ومصدرها واحد وهو الله الخالق العظيم.

ولكن مثل هذه الأهداف لا فرصة لتحقيقها إلاّ إذا توفرت للإنسان حريته فى التفكير والتأمل والاختيار فى كنف مجتمع يحترم ممارسة الفرد للقيم الإنسانية التى كرمه بها الخالق، ودعاه فى جميع الكتب المقدسة لكى يكون مستقلاً فى أحكامه، ومعتمداً فيها على ما يتوصل إليه بحثه الشخصى، وحثه على النظر فى الأمور بعين تروم الوصول إلى الحقيقة بغض النظر عن الشائع والمألوف. وبهذا وحده يمكن للإنسان أن ينمى ملكاته الشخصية، ويعى مسئوليته فى الحياة، وهذه من العوامل الأولية التى تقوم عليها التنمية البشرية.

ولهذا فمن حق الأقليات وواجبها أن تبرز المفاهيم التى تعرب عنها مواثيق هيئة الأمم وتقارير مفوضيتها السامية لحقوق الإنسان وتعمم انتشارها. حيث ثبت أن التمييز بين المواطنين هو السبب التالى بعد الفقر لانتشار مخالفات حقوق الإنسان، وإهدار حرياته وكرامته. فالتمييز الذى يفرق فى المعاملة بين طوائف الشعب الواحد هو أكثر ما يصيب أفراد الأقليات بالإحباط والقنوط لما ينطوى عليه من بخس كرامتهم وما يحمله من مهانة وانتقاص لقدرهم. ولكن من واجب هذه الأقليات أن يكونوا إيجابيين فى تعاملهم مع الواقع ويضربوا المثل والقدوة فى الكيفية الحسنة التى يجب أن يكون عليها الاختلاف . إن الوحدة الحقيقة للوطن هى فى قبول التنوع والتعدد.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة