أكرم القصاص - علا الشافعي

إبراهيم الهضيبى

جند الوطن فى معارك غلط

الجمعة، 30 يناير 2009 01:43 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المتابع للمشهد المصرى فى أحداث غزة الأخيرة لا يملك إلا أن يصاب بالحيرة، فالمعارك فى مصر تعددت والحدث واحد، والسهام تطلق فى كل الاتجاهات ومن كل الاتجاهات حتى أن بعضها يذهب إثر بعض، والكل يخوض المعارك بقدر كبير من الحماس والهمة دون أن يسأل عن أهمية المعركة التى يخوضها وترتيبها فى جدول الأولويات الذى يفرضه الواقع والمسئولية، كل هذا إنما يدل على خلل رئيسى فى بوصلة العمل الوطنى لابد معه من علاج.

فقد كنت أتصور أن الواقع على الأرض فى غزة يؤجل أى معارك، ويدفع مصر الرسمية وإعلامها القومى لأن تترفع فعلاً عن الصغائر، وأن تتجاوز عن خلافاتها السياسية مع أطراف داخلية وخارجية وأن ينصب تركيزها على العمل مع الجميع من أجل رفع الظلم الواقع على أهل القطاع الصامد، وذلك بوقف المجزرة ورفع الحصار وإعادة بناء الصف الفلسطينى من أجل المضى قدماً فى معركة التحرير الوطنى، إلا أن شيئاً من هذا لم يحدث.

ففجأة وبدون مقدمات أصبحت حماس «الحركة الفلسطينية الإسلامية السنية» تابعة للمشروع الإيرانى السورى، فقط لأن قيادة الحركة السياسية مقرها دمشق «وهى لم تجد من يؤيها غيرها»، وأصبحت بالتالى «خطراً» لابد من التنبه له، ذلك من دون أن نرتب أولوياتنا فنسأل أيهما أخطر: المشروع الإيرانى السورى أم المشروع الصهيونى؟ بل ومن دون أن نسأل عن طبيعة العلاقة بين حماس والنظامين؟ وعما إذا كانت أوجه الاتفاق بينهما فى مشروع المقاومة تمثل تناقضات مع مصالح الأمن القومى المصرى؟ تجاهل البعض هذا كله وخاض معركة شرسة ضد حماس متهما إياها بالسعى لتوريط مصر فى معارك لا تصب إلا فى مصلحة النفوذ الإيرانى.

والحق أن حماس لم تورط أحداً فى شىء، فالحركة أبدت قدراً من المرونة أكثر مما كان متوقعاً، ووافقت على اتفاق تهدئة مدته ستة أشهر التزمت به كاملاً، فيما رصدت إحصائياتها 162 خرقاً لها من الجانب الإسرائيلى، ذلك فضلاً عن استمرار إغلاق المعابر بالمخالفة للاتفاق، وحين حان وقت التمديد اشترطت فصائل المقاومة «وليس حماس وحدها» فتح المعابر للقبول بتهدئة جديدة، وهو أقل القليل، فما دون ذلك موت بطىء، ولكن الجانب الإسرائيلى تعنت، فلم يكن هناك من سبيل لاستمرار التهدئة، وهكذا بدلاً من أن نرى مروءة هى من سماتنا رأينا من يتخاذل عن نجدة المظلوم ويلقى عليه اللوم، ويدخل معركة كلامية هدفه منها التأكيد على أننا لم نقصر فى الماضى، فيكون نتيجة ذلك أن نقصر فيما هو حال وواقع.

وارتبطت بتلك المعركة معركة أخرى عن السيادة الوطنية، تقول إن إغلاق المعابر هو للحفاظ على السيادة الوطنية المصرية، إذ لا يصح القبول بالتواجد الفلسطينى على أرض مصر من دون التأشيرات اللازمة لذلك، وتصبح تلك معركتنا الرئيسية: الحفاظ على السيادة المصرية من انتهاكات الفلسطينيين، وقد نضفى على المعركة بعداً آخر يقول إن فتح المعابر يعنى هروب أهل غزة من القطاع إلى مصر، وهو ما من شأنه تصدير قضيتهم إلينا، وننسى أن الإسرائيليين يدخلون سيناء بلا تأشيرات، وننسى أن الفلسطينيين يأتون لاجئين مستجيرين للعلاج والدواء، أو يأتون لتجارة أيام ويذهبون، وننسى أن فتح المعابر لا يعنى بالضرورة السماح للجميع بالدخول إلى مصر من غير قيد أو شرط، فقد يرافق ذلك ترتيبات كتلك الموجودة فى كل المعابر والموانى البرية والبحرية والجوية، المهم أن بعض الأقلام تخوض هذه المعركة مع الشعب الفلسطينى المنكوب وكأن قصف العدو لا يكفيه، فتجر وراءها أعداداً من المصريين يشاركون فى معركة غلط. وأما المعركة الثالثة فهى المعركة مع الدول العربية التى رأى النظام المصرى وإعلامه أنها تزايد على الدور المصرى، والحق أننى أرى تحاملاً على مصر من قبل بعض الإعلام العربى المرتبط ارتباطاً وثيقاً بأنظمة بلاده السياسية، كقناة الجزيرة القطرية مثلاً، ولكن هذا لا يبرر فى رأيى الدخول فى تلك العركة السخيفة مع الإعلام العربى، ففضلاً عن «ترفع مصر عن الصغائر» كما جاء على لسان الرئيس مبارك، فإن التعامل الإعلامى المصرى كان مخزياً، وأثر سلباً على الرأى العام المصرى، ذلك أن الإعلام تعامل بمنطق «الردح»، فبدلاً من مناقشة الموقف المصرى، ونقده حيث يوجد الخطأ، فإن الصحف القومية وقنوات التليفزيون الرسمية وجهت سهام نقدها لقطر، ولغيرها من الدول حضرت قمة قطر التشاورية، محاولة التأكيد على أن هذه الدول لم تؤد واجبها تجاه القضية، وهو ما قد أتفق معه، ولكنى أراه سيراً فى معركة غلط، نعم أنا لا يعنينى دور هذه الدول فى شىء، فالغيرة على الوطن والحمية الوطنية فى رأيى هى السعى لإصلاح سياساته، وتقويم مواقفه، بما يحقق مصالحه ومسئولياته الأخلاقية، وليس من الحمية الوطنية فى شىء أن أتجاهل الخطأ والتقصير عندى لأنه حدث من غيرى، نعم قد يكون من المفيد أن أشير لتقصير غيرى أحياناً، ولكن لا يصح أن تكون هذه الإشارة مدخلاً لتجاهل ما عندى من أخطاء، والدخول فى معارك غلط، مليئة بالعصبية التى قال عنها الرسول «صلى الله عليه وسلم» «دعوها فإنها منتنة».

كنت قرأت منذ فترة كتاباً للأستاذ فهمى هويدى بعنوان «طالبان جند الله فى المعركة الغلط»، وأتصور أن جل هؤلاء المتحمسين فى هذه الأيام هم جند الوطن، ولكنهم خاضوا هم أيضاً المعارك الغلط.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة