أكرم القصاص - علا الشافعي

إسلام بحيرى

إسلام بحيرى يكتب: ارفضوا حديث "مسلم "

الإثنين، 12 مايو 2008 10:46 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اليوم نتابع رحلة المآسى المخزية من كتب الحديث والسير والتفاسير التى بدأناها فى المقال السابق, وبدون مقدمات تعالوا نقرأ المأساة أولا من مصدرها.. هذا الحديث من (صحيح مسلم - باب ندب من رأى امرأة فوقعت فى نفسه إلى أن يأتى امرأته أو جاريته فيواقعها) "حدثنا عمرو بن علي, حدثنا عبد الأعلى, حدثنا هشام بن أبى عبد الله, عن أبى الزبير, عن جابر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهى تمعس منيئة لها فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال: إن المرأة تقبل فى صورة شيطان وتدبر فى صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما فى نفسه".

والموضوع ببساطة أن الحديث المروى يقول إن النبي-مع الأسف- كان جالسا مع أصحابه فرأى امرأة تسير فى الطريق فنظر إليها فاشتهى النساء ولم يستطع إمساك هذه الشهوة فى نفسه فترك أصحابه فجأة وقام لزوجته وهى تمعس منيئة – تدلك الجلود قبل دبغها – فنحاها عن ذلك العمل سريعا, وجامعها لكى يفضى شهوته وخرج على الفور إلى أصحابه الذين انتظروه, وقال لهم ناصحا إذا حدث لأحدكم مثل ذلك فالحل أن يأتى أهله ويجامعهم فى أسرع وقت.

وهنا أذكركم جميعاً بأن هذا الحديث موجود فى صحيح مسلم, وكافة كتب الصحاح والسنن عدا البخاري, وأريد أن أوضح نقطة هامة عن قواعد قبول الرواية عند علماء الحديث الأوائل, وهى أن رفض الحديث أو قبوله يدور مداره على السند فقط, والسند هو مجموعة الرواة الذين من المفترض أن يبدأ أولهم عند الرسول وينتهى بدون انقطاع عند أذن صاحب الكتاب – البخارى ومسلم وغيرهما – فإذا ما كان هؤلاء من العدول الصادقين ورأوا وسمعوا بعضهم من بعض, فلا مجال لتكذيب الحديث مهما كان فساد متنه -نصه –هكذا يقول علماء الحديث, ورغم إنهم يقولون ثم يعرض الحديث على القرآن, إلا أنهم على أرض الواقع لم يثبت أنهم رفضوا حديثا واحدا لمعارضته القرآن, وبالطبع لا مجال لرفض الحديث من خلال عرضه على العقل لأن المكان عندهم يضيق بالعقل.

والآن نعود للحديث المخزى لنناقشه ابتداءً بقواعد علوم الحديث وسأوضح عدة حقائق فى نقاط:
1- الرواية جاءت فى صحيح مسلم كما قلت, وفى كل الكتب الحديثية ما عدا البخاري, وهذا ليس دليلا على شئ فاجتماع البخارى ومسلم على رواية مخزية كتلك لا يقويها, وافتراقهم لا يضعفها لأنها أصلا فاسدة المتن-النص-.
2- جاءت الرواية زائدة ببعض الكلمات فى كتب الحديث الأخرى مثل: مسند أحمد - النسائى – أبو داود – ابن حبان وكانت الزوائد أكثر خزياً.
3- الحديث حديث أحاد رواه (جابر) وليس له راوٍ آخر, ولهذا كتب الترمذى تعليقا عليه فقال" حديث صحيح حسن غريب", والحديث الغريب ببساطة هو الحديث الذى يتفرد بروايته راوٍ واحد وسواء كان هذا التفرد فى أصل السنّة، أو فى أثناء السند وإذا أردنا تعريفه فنقول هو ما يتفرد بروايته راوٍ واحد أيًّا كان ذلك التفرد, والتفرد هنا بمعنى أنه لم يقله غيره أو لم يقل هذا المعنى صحابى آخر, والحديث الذى معنا غريب من الناحتين .

وبعد هذا الإيجاز البسيط عن القواعد ننتقل لمناقشة مسلّّمة من المسلمات الخاطئة, وهى التسليم الكامل بصحة كل الأحاديث فى صحيحى البخارى ومسلم, ورغم أن ذلك يحتاج لشرح طويل, ولكنى سأكتفى هنا بنقلٍ عن أيقونة الوهابيين (ابن تيمية) فى (مجموع الفتاوى-الجزء 18) فيقول معلقاً:" قد يسمى صحيحًا ما يصححه بعض علماء الحديث، وآخرون يخالفونهم فى تصحيحه، فيقولون‏:‏ هو ضعيف ليس بصحيح، مثل ألفاظ رواها مسلم فى صحيحه، ونازعه فى صحتها غيره من أهل العلم، مثل‏: حديث أن رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم -قال‏:‏ ‏(‏أيما إهاب دبغ فقد طهر‏)‏.

فإن هذا انفرد به مسلم عن البخاري، وقد ضعفه الإمام أحمد وغيره، ومثل ما روى مسلم أن النبي- صلى الله عليه وسلم- صلى الكسوف ثلاث ركوعات وأربع ركوعات، فإن هذا ضَعَّفه حُذَّاقُ أهل العلم"، ومثله حديث مسلم‏:‏ ‏(‏إن اللّه خلق التربة يوم السبت...الحديث )‏، فإن هذا طعن فيه من هو أعلم من مسلم مثل‏:‏ يحيى بن معين ومثل البخارى وغيرهما، وذكر البخارى أن هذا من كلام كعب الأحبار".

والشرح ببساطة أن (ابن تيمية) يقول إن هناك أحاديث ضعيفة فى كتاب مسلم, وقد قال بذلك حذاق-أئمة- أهل العلم, وقد عدَّدَ (ابن تيمية) أحاديث الضعف عند مسلم, ولكن الذى يجب التوقف عنده فى كلام (ابن تيمية) قوله المنقول عن البخارى فى تعليقه على حديث فى صحيح مسلم إنه من كلام كعب الأحبار- الحبر اليهودى الذى أسلم فى زمان الخليفة عمر- إذن البخارى يقر صراحة بوجود الإسرائيليات - الروايات التوراتية التى تتحدث عن بدء الخلق والأنبياء السابقين وعن أحداث الآخرة- فى كتاب مسلم, والخلاصة أن العلماء الأوائل أقرّوا بوجود الضعف فى كتاب مسلم.

ومن هنا أود القول إن للباحثين المعاصرين الحق الأصيل كما العلماء الأوائل أن يُضعّفوا أحاديث فى كتب الصحاح إذا استجد لهم دليل على ذلك الضعف, ولكن المؤسف أن الأوائل لم ينكروا هذا الحديث, أما العاقلون من المعاصرين فقد رفضوا هذا الحديث, وأنقل فى هذا السياق قولا للشيخ (محمد الأمين الشنقيطي) عن ذات الحديث من كتابه (ضعيف الصحيح) فيقول:" والحديث مضطرب مردودٌ لانقطاع سنده ووجود النكارة الشديدة فى متنه. وهذا محال على رسول الله، فقد نزهه الله عن ذلك وعصمه".

والمهم فى هذا الكلام أن الشيخ -رحمه الله- قد أنكر الحديث لفساد متنه-نصه- وأكد أن الله نزّه النبى عن هذه القذارات. أما لو تحولنا إلى سنده وهو الذى يعوِّل عليه التراثيون, فالسند به مشاكل عدة, فمسلم لا يخرِّج لأبى الزبير عن جابر ( وهو السند الذى بالحديث) إلا من طريق راوٍ اسمه الليث، أو مقروناً بغيره-أى بسند آخر- أو ما صرّح به بالسماع, وأقصد هنا أن هذا السند له شروط فإما أن يكون من طريق الليث, وإما أن يقرن بسند آخر يعضده-يسانده- وهذا السند لهذا الحديث ليس فيه أى من الشرطين, ولننظر ما قاله الذهبى عن هذا الحديث المخزى فى كتابه( ميزان الاعتدال) (6|335) فيقول :"وفى صحيح مسلم عدة أحاديث مما لم يوضِّح فيها أبو الزبير السماعَ عن جابر، ففى القلب منها شيء. ومن تلك الأحاديث, حديث أنه رأى –عليه الصلاة والسلام– امرأةً فأعجبته، فأتى أهله زينب".

والمعنى هنا أن الذهبى وهو من أكابر علماء الحديث يقول إن حديث (رأى النبى امراة فأعجبته), فى القلب منه شيء, بمعنى أنه لا يصدق هذا الحديث. ثم يأتى دور الاستدلال العقلى على فساد هذا الحديث وسأوجز التساؤلات حول ذلك:
1- هل يعقل أن رسول الله المؤيد بالوحي, ومبلغ الرسالة يرى امرأة تسير, وهو يجلس مع أصحابه, والمفترض أنها بلباسها الشرعي- أى أنها لم ترتكب أى خطأ- ثم يترك حديث أصحابه فى الدين والدعوة, وينظر للمرأة وليس هذا فحسب بل إن هذه النظرة تؤجج الشهوة بداخله-حاشاه- وليس هذا فحسب بل إنه لا يستطيع بعدها أن يمسك هذه الشهوة-معاذ الله- فيترك أصحابه, ويقوم مسرعا فيأتى امرأته زينب, ولا يستطيع أن ينتظر حتى تنتهى مما فى يديها, بل وفى رواية أنه وجد عندها صديقاتها فأخلاهن- طردهن- ثم يجامعها, ثم يعود بعدها هادئا لأصحابه الذين ما زالوا جالسين, ثم لا يكتفى بهذا بل المصيبة أنه من المفترض أن أصحابه لم يعلموا ما هو سبب قيامه ولكنه-حاشاه- يتطوع بإخبارهم أنه تركهم لما رأى المرأة- وهو النبى المرسل- ثم اشتهاها بلا ذنب منها ثم ذهب إلى امرأته فجامعها لتهدأ نفسه, ثم يوصى بذلك ويندبه ويستحسنه للمسلمين. وأقسم لو أن أحدنا حكى هذه الرواية على نبى من الأنبياء السابقين لخرج من الملة, ولكنى أعيد التذكير أن من يرويها مسلم عاقل عن نبيِّه الكريم, ثم أين غض البصر عن امرأة مسلمة لم ترتكب إثما غير أنها مشت فى الطريق؟

2- ولتوضيح فساد هذه الرواية، فهذا الحديث روى عن( جابر) فقط فى كل كتب الحديث, و النص يقول إنه لما عاد النبى إليهم قال:" إذا رأى أحدكم امرأة... بقية الحديث"، إذن من قال للراوى إن امرأة النبى كانت تمعس منيئة-تدلك الجلد قبل الدبغ- ؟ فإن كان النبى الذى قال فأين هذا القول فى نص الحديث؟ , وإن كانت زوجته زينب هى التى قالت فلماذا لم يُضمَّن اسمها كراوية للحديث, فلا يتبقى إلا حل وحيد أن الصحابي-أستغفر الله- قد رأى النبى وهو داخل على امرأته فى بيته يطلب منها المجامعة, ومن يقول بهذا فلا مكان له إلا المارستان- مستشفى الأمراض العقلية-.

3- وليس هذا فحسب فالمفروض أن النبى قد جعل ذلك حلاً لكل متزوج يرى امرأة فتقوم شهوته, والمعروف عقلاً أن المتزوج أهدأ شهوة من العازب, إذن ماذا عن العازب؟ لو أن ذلك هو الحل فماذا يفعل العازب إذا رأى امرأة واشتهاها فهل يقتل نفسه أم أن الرسول كان يشرع للمتزوجين فقط.

4- ثم هل من الإسلام والأخلاق أن يذهب الرجل ليجامع امرأته بهذا الوضع مما يفترض معه لا شك أن يتخيل المرأة التى اشتهاها فى ذهنه, وهذه دناءة لا يفعلها أدنى الناس دينا, وماذا لو أن المرأة المتخيلة فى ذهنه متزوجة؟ فهل من الدين والعقل أن نقول إن ذلك يفعله مسلم عادى وليس النبي. وماذا يفعل الرجال فى عصرنا؟ ماذا لو ترك الأستاذ فى الجامعة المحاضرة لأنه رأى شابة أعجبته وذهب ليقضى شهوته مع زوجته ثم عاد للمحاضرة؟ فهل هذا يعقل, والأستاذ ليس نبيا والمحاضرة ليست دينا.

5- وأتساءل إذا كان النبى قد وصف جنس المرأة أو النساء عموما بأنها تُقبل وتُدبر فى شكل شيطان, فهل أم النبى داخلة فى هذا الوصف؟ وهل السيدة خديجة التى أقرأها- أبلغها- الله السلام من عنده داخلة فى هذا الوصف؟ وهل كل أزواجنا وأمهاتنا وبناتنا كذلك؟ ولماذا توصف المرأة بالشيطان فإن كان ذلك من قبحها فذلك مما لا يعقل لأن الله خلقها من الجمال, وإن كان قبيل من الفتنة فما جريرتها إن كانت تلتزم حشمتها, وقد خلقها الله بذلك الجمال فهل يعقل أن يقول الرسول كذلك على نصف أمته؟

6- ثم أتساءل أيضا هل من الإسلام أن يقول الرسول إن اشتهى أحدكم امرأة فليأت أهله, فإن معها ما معها-هذا فى رواية كتب السنن- فهل من المعقول أن يلخص الرسول العلاقة العميقة بين الرجل والمرأة والرباط الروحى قبل الجسدى بينهما بقوله( إن معها ما معها) بمعنى أن الزوجة تمتلك جهازا جنسيا متشابها مع كل النساء؟

7- ثم هل يعقل عاقل أن هذه أصلا أخلاق الرسول, يترك دعوة التوحيد ويتفرغ للنظر للنساء واشتهائهن, ثم لم يكتف بذلك بل يلقى باللائمة على المرأة بأنها هى الفاتنة المفتنة كالشيطان ففى ماذا بالله عليكم أخطأت المرأة؟

ولنستعيد أنا وأنتم على سبيل التذكير الشخص الذى يصفونه فى الرواية على أنه النبى محمد, فمن هو محمد ؟ هو العظيم المؤدب الحيى الخجول, الذى هو على صراط مستقيم, والذى وصفته زوجته السيدة عائشة بقولها"كان قرآناً يمشى على الآرض", الذى ناجى ربه طوال ليله وجاهد فى سبيله طوال نهاره, والذى قدم النفيس والغالى فى سبيل إعلاء كلمة التوحيد, محمد الذى قال له ربه: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}الطور48, محمد الذى هو الرحمة المهداة والذى قال عنه الصحابة:" كان أشد حياء من العذراء فى خدرها", والذى قال عن نفسه:" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

والخلاصة والمفاد أن هذا الحديث فاسد من ناحية السند والمتن على سواء, حتى لو أخرجه مسلم وأشياخ مسلم, والغريب والمريب أن تجد شيوخ الضلال من فقهاء النفط المقدس من العربان البدو وأزلامهم فى مصر التى تروق لهم هذه الرواية وتليق بأخلاقهم وشهواتهم, تجدهم ينافحون ويدافعون عن هذه الرواية, بل تجدهم يقولون إنها تمثل حلاً ناجعاً وناجحاً لمشاكل العصر.

ألم أقل لكم فى المقال السابق إن من رسموا الرسول الرسومات الشهيرة لم يأتوا بجديد, فقد تكفل بالإساءة إليه قبلهم من كَتَب هذه الروايات, فقتل الله من أملى ذلك, وقتل الله من كتبه, وقتل الله من دافع ويدافع عن صحته, فنحن لابد أن نختار فإما اختيار صحيح الدين والعقل لرسم صورة الرسول, وإما أن نلقيهما ونفوز بصحيح الأستاذ مسلم النيسابوري.

موضوعات أخرى للكاتب:
قاطعوا كتب السيرة والإسرائيليات قبل أن تقاطعوا هولندا










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة