أكرم القصاص - علا الشافعي

إسلام بحيرى

تشمل بدء الخلق وقصص الأمم السابقة وأحوال النبوات

الإسرائيليات.. فى كتب الحديث والتفسير

الجمعة، 05 ديسمبر 2008 05:22 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قد يصعب كثيرا إحصاء كم التشوهات الكارثية التى ألمت بتراثنا الدينى المدون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذه التشوهات القبيحة وعلى الرغم من تعدد طرائقها ومسالكها يتقدمها بلا شك التشوه الإسرائيلى التوراتى، فهو العلامة الأبرز بين جميع الأخطاء التاريخية التى ارتكبت بحق تراثنا, فالإسرائيليات هى الضاربة دائما فى الجذور والمستقرة القابعة فى الأعماق, أعماق أهم الكتب التراثية كافة, فاستقرت راكزة فى كتب التفسير القرآنى, وقبعت باطمئنان أيضا فى كتب الحديث كبيرها وصغيرها، صحيحها وسقيمها، فضلا عن كتب التاريخ والسيرة النبوية بالتأكيد, بيد أن المشكلة الكبرى فى الإسرائيليات لا تكمن فى كونها مجرد خرافات كاذبة انتفخت بها جنبات كتب التراث, بل المعضلة أنها وصلت لأن تصبح فى بعض الأحيان من أصول العقائد الإسلامية, ومن هنا أفسدت الفواحش الإسرائيلية ماء الإسلام الرائق بقاذورات خرافية وأسطورية تمتلئ بالكذب على الله وآياته ورسله؛ لذا كان لزاما علينا ابتداء تقديم حصر موجز للطريق نحو «أسرلة» -نسبة إلى الإسرائيليات- تراثنا الدينى عبر أربعة عشر قرنا:

أولا:
الإسرائيليات ابتداء هى كل الروايات الأسطورية والخرافية التى تناقلها المفسرون وأهل الحديث والمؤرخون حول القصص الذى بثه من أسلم من أهل الكتاب من اليهود تغليبا-, حول بدء الخلق وقصص الأمم السابقة وأحوال النبوات وكل الغيبيات الأخروية من أهوال القبور وأشراط الساعة وأهوال القيامة, وكان تسلل هذه الخرافات الكاذبة إلى كتب التفسير والحديث النبوى على سواء تسللا ممنهجا, حيث يزعم أهل الحديث أن المفسرين فقط هم الذين تقاصروا عن تنقيح ما دونوه, ومن ذلك شاع القول إن الإسرائيليات لم تعرف طريقا لكتب الحديث, وهذا كذب, بل استقرت الإسرائيليات مستترة ومكذوبة على النبى فى كتب الحديث كافة، ويكفى لبيان ذلك ما أشرنا إليه فى المقال السابق، حين أشرنا لرد «البخارى» لحديث أخرجه «مسلم» حيث أقر البخارى أن ذلك الحديث من قول «كعب الأحبار» وليس من قول النبى, وهو اعتراف صريح من البخارى بوجود حكايات هذا «الكعب» مستترة فى كتاب مسلم.

ثانيا:
يستتبع البحث الجاد عن ذيل الأفعى الإسرائيلية فى التراث بالضرورة البحث عن رأسها القبيح, فمما لا شك فيه أن النبى صلوات ربى عليه لما توفى ترك رسالته كاملة بيضاء لا شوب فيها ولا كدر, ولكن العرب كما وصفهم «ابن خلدون» قوم أميون يغلب عليهم البداوة ويفتتنون بكل جديد وغريب، فعادوا أدراجهم بعد وفاة النبى يسألون اليهود الذين أسلموا أو تأسلموا -على سواء- أن يَمنوا عليهم من أعاجيب قصصهم التى تشرح ما أجمله وأوجزه القرآن, رغم أن عبقرية القرآن، فضلا عن نصه المعجز، كانت فى استخدامه للإيجاز والشمول والابتعاد عن استغراق التفاصيل, حيث كان مقصد القرآن العظيم هو استلهام العبرة والحكمة وتثبيت فؤاد النبى بما مضى للسالفين عليه وإراءته-التبيين له- سنن الله فى كونه, لذا فإن رأس الأفعى الإسرائيلية أطلت فى تراثنا عن طريق مروجى الإسرائيليات الأُوَل من خلال المحاكاة والتقريب بين لآلئ القصص فى الآيات المنزلة فى القرآن, وبين فواحش الكذب والبهتان فى الروايات الإسرائيلية.

ثالثا:
كان قائد الرعيل الأول لـ»أسرلة» تراثنا الإسلامى هو»كعب الأحبار» اليهودى اليمنى الذى أسلم فى زمان عمر بن الخطاب على القول الراجح. والسؤال المطروح كيف استساغ واستباح التابعون ومن بعدهم من أهل التفسير والحديث النقل عن «كعب الأحبار» فمن هو هذا «الكعب»؟

أسلم كعب كما ذكرنا فى عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضوان الله عليه-, وقد كان فى مبتدأ أمره يحدث عند الخليفة عمر, ولكن عمر بفطنته وحدسه واستشرافه للقادم أوقف كعبا وأحس بخطر ما يبثه من أكاذيب فقال له زاجرا: «لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القردة» «سير أعلام النبلاء (433/2), وقد كذَّب عدد لا يحصى من أكابر الصحابة كعباً وكان أمر كذبه فاشيا, إلا أن بعض التابعين ومن ورائهم أهل الحديث والتفسير افتتنوا به لما وجدوا أن أعلاما شهيرة من الصحابة تحدث عن «كعب» مثل «العبادلة الثلاثة» عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمرو بن العاص وعبدالله بن عمر, وكذا «أبوهريرة», فاعتقد التابعون وأهل الحديث أن ذلك إشارة متيقنة لصدق هذا «الكعب», فنافحوا ودافعوا عنه فى كتبهم بل جعلوه من الثقات العدول فى الرواية رغم تواتر الروايات الدالة على فحش كذبه كما سنبين, ولكن المفاد الأهم أنه لا يستتبع بالضرورة رواية الصحابة عن «كعب» أن يكون «كعب الأحبار» من الصادقين, وسنخصص فى القريب مقالة لتفنيد وشرح ما جاء فى رواية الصحابة عن «الكعب» وملابساتها.

أما عن كذب كعب الأحبار فيكفينا لبيانه ما أخرجه البخارى من قول معاوية:» وذكر كعب الأحبار فقال: إن كان من أصدق هؤلاء المحدِّثين الذين يحدِّثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب» 7361-(400/13), وكلام «معاوية» صريح, ولكن الغريب أن أهل الحديث تكلفوا والتفوا على القول الصراح لمعاوية فى كذب «كعب الأحبار», ووصل بهم التعنت إلى القول أن المقصود بالكذب, كذب الكتب التى يحدث منها كعب لا كذبه هو نفسه.

وكذلك الواقعة المشتهرة التى تبين تزييف وكذب «كعب الأحبار» فكانت قصته التى أوردها «ابن الأثير» وغيره فى التاريخ, أن كعبا أخبر الخليفة عمر أنه سيفارق الدنيا فى ثلاثة أيام, وأن ذلك فى التوراة, ووقع قتل الخليفة عمر بعدها فشاعت القصة بين الصحابة واستبانوا كذبه, فهاهى التوراة ليس فيها عمر ولا صفته ولا آجال وأعمار الخلق التى لا يعلمها إلا الله, وقد تناثرت روايات أشارت إلى أن كعبا كان شريكا فى عملية القتل التى نفذها المجوسى, ورغم ذلك فلا يعنينا تصديق تلك الروايات قدر ما يعنينا إثبات كذب واختلاق هذا «الكعب» على خلاف ما سطره أهل الحديث من المدافعين عنه, ويجدر الإشارة هنا إلى ما قاله الشيخ المبجل عليه الرحمة من الله الشيخ محمد رشيد رضا مكذبا وفاضحا لهذا «الكعب» غير عابئ بكل تكلفات الأولين فى الدفاع عنه, لما استبان للشيخ الأثر المدمر لكعب وشركاه فى العقيدة الإسلامية, فقال: «إن شر رواة هذه الإسرائيليات أو أشدهم تلبيساً وخداعاً للمسلمين وهب بن منبه وكعب الأحبار، فلا تجد خرافة دخلت فى كتب التفسير والتاريخ الإسلامى فى أمور الخلق والتكوين والأنبياء وأقوالهم والفتن والساعة والآخرة إلا منهما مضرب المثل»- مجلة المنار (27 / 783).

رابعا:
يقول سبحانه فى محكم التنزيل واصفا اليهود: «أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» البقرة 75, ويقول عنهم أيضا: «فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ» البقرة 79.

ورغم صراحة الآيات الدالة على خرافات اليهود وسوء أدبهم مع الله, نجد المجيزين لرواية الفواحش الإسرائيلية والمفتونين بها يقولون إن النبى أجاز ذلك ويستندون إلى حديث أخرجه البخارى أن النبى قال: «بلغوا عنى ولو آية، وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج، ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار».3461-(615/6). وهذا الحديث ليس دليلا البتة على جواز التحدث عنهم فى الدين, فمتن -نص- الحديث مشكل فى شرحه, وسنفرد له مقالة مفصلة ولكن ما يفاد منه لا يحتمل بأى حال المعنى الذى أراده المولعون بالإسرائيليات من جواز التحديث عنهم، إذ كيف يرضى النبى عن التحديث بالكذب والخرافة والضلالة, فلابد من فهم النص بدقة قبل إطلاق الأحكام جزافا.

خامسا:
قسم بعض المحققين مثل «ابن كثير» تقسميا عجيبا كضابط لقبول الإسرائيليات وهو كالتالى:
إذا توافقت الإسرائيليات مع القصة المروية فى القرآن كانت صحيحة مقبولة للتدوين لامتلائها بالتفاصيل مما أجمل وأوجز فيه القرآن.

ما هو مسكوت عنه فى القرآن من قصص جاز أخذها من الإسرائيليات فهذا يدخل ضمن ما لا يكذب ولا يصدق ولكن تجوز حكايته وتدوينه للاعتبار والحكمة. إذا خالفت الإسرائيليات وناقضت النص القرآنى والسنة الصحيحة مخالفة صريحة فهذا لا يصح قبوله ولا روايته. وهذا التقسيم -مع تقديرنا لمحاولة «ابن كثير» وضع ظوابط لما شاع وانساح فى كتب التراث الإسلامى- تقسيم خاطئ وباطل من وجوهه الثلاثة:

ففى الحالة الأولى، فإنه إذا توافقت الإسرائيليات مع القرآن فى القصة المروية ولكنها امتازت بالتفاصيل التى أجمل فيها القرآن وأوجز, فما حاجتنا إليها وقد أغنانا الله بالقرآن عنها, كما أن هذه التفاصيل الإسرائيلية تنضح بالكذب والخرافة فلماذا ندخل القذارات فى الماء الرائق, ثم إن الله سبحانه كان، بلا شك، قاصدا عامدا فى إيجازه القصص فى القرآن لينفض عن هذه الأمة غبار الأساطير السابقة، والقصد فى الإيجاز إذن كان بإرادة الله, فلماذا إذن نخالف مقصود الله وإرادته فى هذه الأمة؟ أم أن الله أنزل القرآن موجزا لنستكمل علومنا من بنى إسرائيل ونتتلمذ على أيديهم؟

أما الحالة الثانية فهى الأسوأ ففيها إجازة لرواية ما سكت عنه القرآن, وكأن سكوت الله سبحانه عن شىء بلا مقصد -معاذ الله-, فالمعلوم عقلا وشرعا أن المسكوت عنه فى القرآن مسكوت عنه لحكمة جلية أو خفية يعلمها سبحانه, ولكنها لا شك بإرادة إلهية, فلماذا نصر على مخالفة مراد الله فى إمساكه عن ترهات وخرافات بنى إسرائيل؟ كما أنه لم يكن ليعجز الله شيئا لو أراد ذكر هذه التفاصيل, ولكن فساد العقول قلب القاعدة فأصبح الإيجاز فى القصص هو الاستثناء, والإسهاب المتفحش فى الكذب هو القاعدة, فسبحان الله مما فعله المفتونون من كل غريب وقبيح.

ج) أما الحالة الثالثة فحمدا لله أنها مرفوضة ما دامت مخالفة للقرآن والسنة الصحيحة وهذا أضعف الإيمان. ولأن الإسرائيليات، ورغما عن أنوف العقلاء، دخلت مطمئنة لأكبر كتب الحديث والتفسير وكان لها عميق الأثر فى تكوين عقائد وقناعات فاسدة نذكر منها طرفا للتبيين والتوضيح:

1) الإسرائيليات فى توصيف الذات الإلهية:
لا شك أن تجسيد الله شبها وجسما هو أصل يهودى إسرائيلى, ومن أشباه ذلك ما تسلل وتسرب إلى كتب الحديث والتفسير رغم أن أصل العقيدة الإسلامية يقوم على أن الله ليس كمثله شىء، وأنه منزه عن التشبيه والتجسيم, ولكن هيهات فأين كعب وشركاه؟ فقد أخرج ثلة من أهل الحديث فى كتبهم ومسانيدهم وسننهم حديثا مكذوبا منكرا عن النبى يقول فيه بزعمهم: «رأيت ربى فى صورة شاب أمرد له وفرة جعد قطط فى روضة خضراء», والمعنى أن النبى رأى الله على صورة شاب جميل ولا شك ولا ريبة تخالج العاقل أن استقرار حديث كاذب كهذا إنما هو من هذه السطوة الإسرائيلية التى سرت فى التراث، ورغم أن كثيرا من أهل الحديث قد ضعفوه فإن آخرين للأسف قد دافعوا عن صحته وبعضهم أوَّلَه على رؤيا المنام, ولكن الذى يعنينا ليس من صحح ومن ضعف لأن نص الحديث فاحش النكران, ولكن السؤال كيف استقر هذا الحديث فى كتب التراث؟ والجواب «ابحث عن الإسرائيليات».

2) الإسرائيليات الخرافية التى تشكلت فى الوعى المسلم بأشكال عدة:
قصة بدء الخليقة فى القرآن عميقة الفلسفة واسعة البيان ورائقة المعنى, ولكن أصحاب التفاسير وأهل الحديث أبوا إلا أن ينقلوا إلينا الخرافات الإسرائيلية على أنها المذكرة التفسيرية للوقائع التى أوجزها القرآن, فقد أورد الطبرى فى تفسيره لآية: «فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِى الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ »36 البقرة. ما يلى مختصرا: «فلما أراد إبليس أن يستزلهما دخل فى جوف الحية، فلما دخلت الحية الجنة، خرج من جوفها إبليس، فأخذ من الشجرة التى نهى الله عنها آدم وزوجته، فجاء بها إلى حواء، فقال: انظرى إلى هذه الشجرة، ما أطيب طعمها، وأحسن لونها! فأخذت حواء فأكلت منها، ثم ذهبت بها إلى آدم، فقالت: انظر إلى هذه الشجرة، ما أطيب طعمها، وأحسن لونها! فأكل منها آدم، فبدت لهما سوءاتهما،.. قال الرب: ملعونة الأرض التى خلقت منها لعنة يتحول ثمرها شوكا. ثم قال: يا حواء أنت التى غررت عبدى، فإنك لا تحملين حملا إلا حملته كرها، فإذا أردت أن تضعى ما فى بطنك أشرفت على الموت مرارا». ثم يردف الطبرى بعدها قائلا:» فقال الله: فإن لها على-أى لحواء- أن أدميها فى كل شهر مرة كما أدميت هذه الشجرة، وأن أجعلها سفيهة، فقد كنت خلقتها حليمة».

فهذه القذارات الفاحشة والكذب على ذات الله وعلى العقيدة الإسلامية فى جذورها أوردها الطبرى كتفسير للآية بكل بساطة, وأى كذب على الله أفدح من جعله سبحانه يغير أقواله وأحكامه لتكون رد فعل على عصيان آدم وعصيان زوجته وعصيان الأفعى, وياللمرأة المظلومة دائما فالحيض عقاب لها والحمل عقاب لها, والله جعلها سفيهة بعد أن خلقها حليمة, وهذه هى روح الإسرائيليات فى تحقير المرأة عندهم, لذا فلا يظن أحد أن هذه الخرافات ظلت حبيسة الكتب بل تشكلت بعد ذلك فى الوعى المسلم وأنضجت روايات مكذوبة على النبى عن تحقير المرأة وفتنتها وشرها وسفهها الدائم, كما أشرنا فى مقالنا «تاريخ تحقير النساء», ومن وراء هذا نسجت الثقافة الإسرائيلية خيوطها الأفعوانية فى الوعى المسلم وظهرت بقية الخراقات والأسماء: «شجرة التفاح - شجرة التوت - الأفعى - حيض النساء وآلام الولادة - أسماء ابنى آدم هابيل وقايبل رغم أننا لا نعلم من هؤلاء- قصة خلق زوج آدم من ضلعه...إلخ, وقس ذلك على كل قصص القرآن الموجزة التى فسرها كذابو بنى إسرائيل.

3) الإسرائيليات التى تحط من شأن الأنبياء بخلاف ما أُمرنا به:
معلوم بالضرورة أن القرآن قد أقر بتنزيه الأنبياء وعصمتهم وتوقيرهم على عكس الخرافات الإسرائيلية التى تفحش فى أعراضهم وأخلاقهم, ولقد كان من المفترض أن تحاكى التفاسير القرآنية روح القرآن وقواعده فى الأدب مع الأنبياء ولكن التفاسير وللأسف امتلأت بخلاف ذلك وإذا تساءلنا عن السبب فعند «كعب» الخبر اليقين. فمثلا أورد الطبرى وغيره الكثير من المفسرين حول تفسير آية: «وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ» 24 يوسف. ما نصه مختصرا: «عن ابن عباس، سئل عن هم يوسف ما بلغ؟ قال: حل الهميان، وجلس منها مجلس الخائن وفى رواية-الخاتن-, ما بلغ من هم يوسف؟ قال: استلقت له، وجلس بين رجليها, حل سراويله حتى الإليتين-المؤخرة-».

وهنا السؤال كيف اجترأ الطبرى وغيره على تدوين نقل فاحش الكذب كهذا على النبى المكرم يوسف بن يعقوب الذى قال فيه المصطفى صلوات الله عليه: «هو الكريم بن الكريم بن الكريم», ولكن لما فشت الروح الإسرائيلية فى التراث بنصوصها وعقائدها استحل الطبرى أن يكتب هذا عن النبى «ابن الأكرمين» فالإسرائيليات استوطنت العقول قبل الكتب, ولو رجع أحدهم لما قاله الطبرى عن كيفية ذهاب الشهوة عن نبى الله «يوسف» لرأى النقولات الفاحشة مما نمسك عن ذكرها هنا لسوء أدبها, ومن مثل ذلك امتلأت كتب الحديث والتفسير بالكثير عن الأنبياء إما تعظيما لهم لأغراض فى نفس راويها وإما تحقيرا لهم لنفس هذه الأغراض.

4) الإسرائيليات التى تثبت الإسرائيليات:
أما هذا النوع فهو الأشد فجورا بين الإسرائيليات والذى يَهدف مَن دَسَّه إلى التأسيس والتثبيت لعلم كبيرهم الذى علمهم السحر «كعب الأحبار» فلننظر لما أورده الطبرى فى معرض تفسيره لآية: «حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا» 86 الكهف. ما نصه مختصرا: «قال: سمعت عبد الله بن عباس يقول: قرأ معاوية هذه الآية، فقال: «عين حامية» فقال ابن عباس: إنها عين حمئة، قال: فجعلا كعبا بينهما، قال: فأرسلا إلى كعب الأحبار، فسألاه، فقال كعب: أما الشمس فإنها تغيب فى ثأط، فكانت على ما قال ابن عباس». ثم يورد بعدها بسطور رواية أخرى: «قال: وأخبرنى عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبى رباح، عن ابن عباس، قال: قرأت {فى عين حمئة} وقرأ عمرو بن العاص {فى عين حامية} فأرسلنا إلى كعب، فقال: إنها تغرب فى حمأة طينة سوداء».

وهذه الرواية الفاحشة مفادها أن أعلام الصحابة وبعد أن تتلمذوا على يد سيد الأنبياء ونهلوا من علومه فإذا بهم يتحولون للتعلم على يد أستاذ جديد بعد النبى وهو الأستاذ »كعب«, ولمَ لا وقد شاع أن عند »كعب« علوما مثمرة لا تنتهى, فهذا الطبرى وغيره يخبروننا -ولله الحمد- أن تثبيت قراءة لفظة من القرآن إنما كان بفضل الكذاب «كعب الأحبار» وأنه أقر ابن عباس فى معناه, ألهذا الحد وصل التساهل فى قبول الكذب؟ فهل الصحابة أغمار سفهاء ليحتكموا فى آية من القرآن إلى هذا البائس اليهودى الذى يقطر الصحابة فى عرقهم علما يزنه هو وقومه, وما حجية سؤالهم عن غروب الشمس فى كتاب كعب فماذا لو قال إنها تغرب فى الماء فهل بذلك كانت ستثبت قراءة «عين حامية», فسبحان الله من جرأة القوم من المفسرين على قول ونقل مكذوب على الصحابى «ابن عباس» بل إن من سذاجة واضطراب النص أنه تارة يجعل الواقعة بين ابن عباس ومعاوية, وتارة يجعلها بين ابن عباس وعمرو بن العاص والمضحك أنه فى المرتين يحتكمون للعلامة الكبير الأستاذ »كعب» رضى الله عنه.

وأخيرا:
هذه الآثار الكارثية للروح الإسرائيلية التى اصطبغ بها التراث الدينى لم تقبع فقط فى جنبات الكتب، بل كما بينا انسحبت وتعدت لتصبح روحا عامة قد يعجز كثير من الباحثين عن افتكاكها من التراث الدينى أصولا وفروعا, كما أنها أحدثت على مر العصور ضمورا فى العقل المسلم, واستعداداً لتلقى وتصديق الخرافة بكل أريحية ومالهذا جاء الإسلام؛ لذا فإن تفنيد الروايات الإسرائيلية التى خربت النقول والعقول واختلقت عقائد فاسدة هو السبيل إلى مرحلة الخلاص من هذا التراث الثقيل، وخطوة أولى لاستعادة الوعى الحر عند المسلمين وإحياء دور العقل بعيدا عن الغشاوات التى حالت دهورا بينهم وبين النص المنزل.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

هاني خالد

مردود

ان اسلمنا بهذا القول نكون والعياذ بالله شككنا فى قول الله (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون)

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة