مقالات

"وصفة بسيطة" لحل مشاكل التعليم

الأربعاء، 28 يناير 2009 07:33 م

بقلم د. محمد مورو

يحاول السادة المسئولون أن يدخلوا فى روعنا أن مشكلة التعليم فى مصر مشكلة مستعصية، والحقيقة أن المستعصى على الفهم هو هؤلاء المسئولون الذين لا يريدون أن يبذلوا قدراً من التفكير، إذ لو بذلوا هذا القدر لتم حل مشاكل التعليم وغير التعليم، والحقيقة أن كل المشاكل فى كل المجالات ليست مستعصية، بل هى تحتاج فقط إلى شئ من الإدارة والإرادة معاً!!

ينبغى بداية قبل أن نفكر فى حل أى مشكلة أن نراعى عدداً من العوامل هى:
المستهدف من العملية.
الإمكانيات المتاحة من قوى مادية وبشرية.
مدى انضباط الإدارة والثواب والعقاب... إلخ.
ومن ثم يمكن تحقيق أفضل نتيجة بناء على الإمكانيات المتاحة، ونضرب على ذلك مثلاً لو أنك تريد امتلاك سيارة وليس لديك إلا حوالى 10 آلاف جنيه، الصحيح ألا تفكر فى المرسيدس مثلاً الجديد أو حتى المستعمل بل تفكر فى الفيات المستعمل مثلاً، وليس معنى هذا أن الفيات أفضل من المرسيدس، ولكن هذه هى الإمكانيات.

وإذا أخذنا فى اعتبارنا مثلاً، وقلنا إن تقييم الطالب على عدة سنوات أفضل من تقييمه من خلال عام واحد، فإن هذا صحيح، ولكن إذا أضفنا إلى ذلك أن إمكانيات الدولة ليست كبيرة، والقدرة على الحشد والتنظيم وإدارة الامتحانات محدودة، وأن الأسرة المصرية أصلاً تعانى من ازدحام الشقق وعدم القدرة على إعطاء كل ابن غرفة خاصة به، وكذا ضعف مستوى المعيشة، وكان الهدف هو توصيل التعليم إلى أكبر عدد ممكن من الناس، وليس قصره على الأغنياء فقط، فإنه يعنى هذا أن الامتحان لمرة واحدة أفضل، حيث إن ذلك يريح الأسرة، ويعطى الدولة الفرصة لحشد كل الإمكانيات لتنمية تكافؤ الفرص من خلال امتحان واحد وضبط فى المراقبة والتصحيح، وأن يتم رصد المبالغ التى ستنفق على عدة امتحانات لصالح امتحان واحد، صحيح أن هناك سلبيات فى هذا الأمر، منها أنه قد يمر من طالب ويضيع عليه الامتحان، ولكن هذا استثناء محدد يقابله إعطاء أغلبية الطلبة الفرصة المتكافئة، وكذلك يجب عدم إجراء امتحانات تكميلية فى القبول بالجامعات، حيث إن هذا يفتح باب الوساطة، ومادامت الأمور غير منضبطة، فإن هذا الإجراء وهو سليم طبعاً سيتحول إلى مأساة كاملة.

هذا من حيث الامتحانات على عام واحد، أما مشكلة الدروس الخصوصية مثلاً فيمكن حلها ببساطة شديدة، عن طريق إصدار كتاب على هيئة سؤال وجواب به مائة سؤال وجواب أو أكثر أو أقل، وأن يتم الالتزام به ـ تماماًـ فى وضع الامتحان، ومن ثم نعطى الفرصة لمن يريد أن يذاكر أو يقتصر على ذلك، بدون دروس خصوصية، فالامتحان محدد بأسئلة معينة لا يخرج عنها، ومن أراد أن يعتمد على الدروس الخصوصية بعد ذلك فهذا شأنه، وأن يتم كذلك وضع كتابة الأسئلة والأجوبة والأخطاء لأن النماذج التى تصدرها الوزارة مملوءة بالأخطاء من ناحية ولا يلتزم بها ـ تماماًـ واضعو الامتحانات من ناحية أخرى، أكثر من هذا يمكن تشكيل لجنة لكل عام دراسى، ابتدائى أو أعدادى أو ثانوى أو جامعة بكل كلياتها ووضع كتاب آخر للشرح، يلتزم به أعضاء هيئة التدريس ويلتزم به الطالب، ومن ثم تقطع دابر الدروس الخصوصية، ونريح الفقراء، ومن أراد بعد ذلك أن يتوسع ويزيد ويعتمد على الدروس فهذا شأنه ولا بأس بذلك مادام قادراً.

لابد أن نواجه حقيقة أن الأسرة المصرية فقيرة ومطحونة وأن إدارة التعليم ليست على ما يرام، فلا نحلق فى الخيال بحثاً عن وسائل حديثة مكلفة، أو تغيير نظم التعليم باستمرار، ورغم أن هناك عيوبا فى المناهج أو طرق التدريس، إلا أن البديل أسوأ، ليس لأنه شىء، ولكن لأنه خارج إطار إمكانيات الحكومة، والأسرة معاً.

وبصراحة فإن هناك تسربا كاملا فى الثانوية العامة، ولا يحضر الطلاب الدروس، وقد حاولت الوزارة مشكورة التصدى لذلك دون جدوى، وبالتالى يجب الاعتراف بهذه الحقيقة، فطالما فشلت كل الوسائل فى إنهائها، فإن الاعتراف بها أفضل، واقترح إلغاء القانون العام الرسمى وتحويله كله إلى منازل، على أساس أن ذلك يوفر للدولة أموالاً طائلة يمكن أن تدعم بها التعليم الإعدادى والابتدائى، ويمكن زيادة سنوات الإعدادى مثلاً إلى أربعة، وبهذه الطريقة نوفر فصولاً فتحل مشكلة التكدس أو ما يسمى بالفصول الطائرة والفصول التى ليس لها قاعة أصلاً فى المدرسة، وأن تقتصر على فترة واحدة بدلاً من فترتين، ويمكن زيادة رواتب المعلمين من خلال توفير فصول الثانوى، وكذا تدعيم المدارس بالإمكانيات المطلوبة، مع السماح بمراكز التعليم التابعة للجمعيات الخيرية أو غيرها، ثم فرض ضرائب على التعليم الخاص بكل مراحله لصالح تمويل التعليم الرسمى، وقد يكون الكلام هذا جريئاً أو به قدر من الخيال المبدع، ولكن أرجو من وزارة التربية والتعليم وأجهزة الدولة أن تفكر فى هذا الكلام!