تحقيقات وملفات

بيان وثيقة الأزهر يُطالب قوى الثورة بالابتعاد عن العنف وإراقة الدماء والاستقواء بالخارج..ويؤكد: مواجهة الاحتجاج بالقوة نقض لميثاق الحكم ويسقط شرعية السلطة.. وحق الشعوب المقهورة فى عزل الحكام المتسلطين

الإثنين، 31 أكتوبر 2011 12:02 م

كتب لؤى على - تصوير سامى وهيب

الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر

أصدر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بيان الأزهر والمثقفين لدعم إرادة الشعوب العربية، والذى احتوى على ستة بنود، الإمام الأكبر أكد أنه، انطلاقًا من إدراك كبار علماء الأزهر، ومجموعة المثقفين المشاركين لهم لمتطلبات المرحلة التاريخية المفصلية، التى تمر بها شعوب الأمة العربية فى نضالها المشروع للحرية والعدالة والديمقراطية، واستئناف مسيرتها الحضارية؛ واستلهاماً لروح التحرر فى الإسلام، والقوانين الفقهية لمشروعية السلطة، ودورها فى الإصلاح وتحقيق المقاصد والمصالح العليا للأمة.

واتساقاً مع مواقف الأزهر الشريف، وقادة الفكر فى مصر والوطن العربى، فى دعم حركات التحرر من المستعمر الغاشم والمستبد الظالم، وإيماناً من الجميع بضرورة يقظة الأمّة للأخذ بأسباب النّهضة والتّقدُّم، وتجاوز العَثَرات التاريخية، وإرساء حقوق المواطنين فى العدالة الاجتماعية، على أساسٍ راسخٍ من مبادئ الشريعة وأصولها، بما تتضمَّنه من حِفظ العقل والدِّين والنّفس والعِرْضِ والمال، وسَدِّ الطريق أمام السُّلطة الجائرة التى تحرم المجتمع العربى والإسلامى من دخول عصر التّألُّق الحضارى، والتقدم المعرفى، والإسهام فى تحقيق الرخاء الاقتصادى والنّهضة الشاملة، انطلاقًا من كل ذلك، فإنّ المجموعة التى أصدرت وثيقة الأزهر ومثّلت مختلف ألوان الطيف الفكرى فى المجتمع المصرى، قد أدارت عِدَّة حوارات بنّاءة، حول ما حققته الثورات العربية مِن تفاعُل خصبٍ، وتجاوب حميم بين مختلف المشارب والتيارات، وتوافَقَت على جُملة المبادئ المستمدة من الفكر الإسلامى، والطموحات المستقبلية للشعوب العربية، وانتهت برعاية الأزهر الشريف إلى إعلان ضرورة احترام المواثيق التالية وهى:



أن تعتمدُ شرعية السُّلطة الحاكمة من الوجهة الدينية والدستورية على رضا الشُّعوب، واختيارها الحرّ، من خلال اقتراع عَلَنِى يَتمُّ فى نزاهة وشفافية ديمقراطية، باعتباره البديل العصرى المنظِّم لما سبقت به تقاليد البَيْعَة الإسلامية الرّشيدة، وطبقًا لتطوُّر نُظُم الحكْم وإجراءاته فى الدّولة الحديثة والمعاصرة، وما استقرَّ عليه العُرف الدستورى من توزيع السُّلُطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والفصل الحاسم بينها، ومن ضبط وسائل الرّقابة والمساءلة والمحاسبة، بحيث تكون الأمّة هى مصدر السُّلطات جميعًا، ومانحة الشرعية وسالبتها عند الضرورة.

وقد دَرَجَ كثيرٌ من الحكّام على تعزيز سلطتهم المطلقة مُتشبِّثينَ بفهم مبتور للآية القرآنية الكريمة: "وأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الأَمْرِ مِنكُمْ "{4/59}، متجاهلين سِيَاقَها الواضح الصريح فى قوله تعالى قبل ذلك فى الآية التى تسبق هذه الآية مباشرة: "إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ" {4/58}، ممّا يجعل الإخلال بشروط أمانة الحكْم وعَدَم إقامة العدل فيه مُسَوِّغًا شرعيًّا لمطالبة الشعوب حكامهم بإقامة العدل، ومقاومة الظلم والاستبداد، ومن قال من فقهائنا بوجوب الصبر على المتغلب المستبد من الحكام حرصًا على سلامة الأمة من الفوضى والهرْج والمرْج، فقد أجاز فى الوقت نفسه عزل المستبد الظالم إذا تحققت القدرة على ذلك، وانتفى احتمال الضرر والإضرار بسلامة الأمة ومجتمعاتها.



وأضاف عندما يرتفع صوت المعارضة الوطنية الشعبية والاحتجاج السِّلمى، الذى هو حقٌّ أصيلٌ للشُعوب لتقويم الحكّام وترشيدهم، ثم لا يستجيب الحكّام لنداء شعوبهم، ولا يُبادرونَ بالإصلاحات المطلوبة، بل يُمْعِنونَ فى تجاهل المطالب الوطنية المشروعة التى تنادى بالحرية والعدالة والإنصاف، فإن هؤلاء المعارضين الوطنين لا يُعَدُّون من قَبيل البُغاة أبَدًا، وإنّما البُغاة هم الّذين تحدَّدت أوصافُهم فِقهيًا بامتلاك الشَّوكة والانعزال عن الأمَّة، ورَفع الأسلحة فى مواجهة مخالفيهم، والإفساد فى الأرض بالقُوّة، أمّا الحركات الوطنية السِّلميّة المعارضة، فهى من صميم حقوق الإنسان فى الإسلام التى أكّدتها سائر المواثيق الدّوليّة، بل هى واجب المواطنين لإصلاح مجتمعهم وتقويم حُكّامهم، والاستجابة لها واجبٌ على الحكّام وأهل السُّلطة، دونَ مُراوغةٍ أو عنادٍ.

وأضاف، تُعَدُّ مواجهة أى احتجاج وطنى سِلمى بالقوّة والعُنفِ المسلَّح، وإراقة دماء المواطنين المسالمين، نقضًا لميثاق الحكْم بين الأمّة وحكّامها، ويُسقِطُ شرعيّةَ السُّلطة، ويهدر حقَّها فى الاستمرار بالتَّراضِى، فإذا تمادتِ السُّلطةُ فى طُغيانها، وركبت مركب الظلم والبغى والعدوان واستهانت بإراقة دِماء المواطنينَ الأبرياء، حِفاظًا على بقائها غير المشروع - وعلى الرغم من إرادة شعوبها - أصبحت السلطة مدانة بجرائم تُلَوِّثُ صفحاتها، واصبح من حق الشعوب المقهورة أن تعمل على عزل الحكام المتسلطين وعلى محاسبتهم، بل تغيير النِّظام بأكمله، مهما كانت المعاذير من حرص على الاستقرار أو مواجهة الفِتَنِ والمؤامرات، فانتهاكُ حرمة الدَّم المعصوم هو الخطّ الفاصل بين شرعية الحكم وسقوطه فى الإثم والعدوان. وعلى الجيوش المنظّمة – فى أوطاننا كلِّها - فى هذه الأحوال أن تلتزم بواجباتها الدّستورية فى حماية الأوطان من الخارج، ولا تتحوّل إلى أدواتٍ للقمع وإرهاب المواطنين وسفك دمائهم؛ فإنه" مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا "{5/32}.



وتابع: يَتعيَّنُ على قوى الثورة والتّجديد والإصلاح أن تبتعد كليًا عن كل ما يؤدى إلى إراقة الدماء، وعن الاستقواء بالقوى الخارجية، أيًا كان مصدرها، ومهما كانت الذرائع التى تتدخل بها فى شؤون دولهم وأوطانهم وإلا كانوا بغاة خارجين على أمتهم وعلى شرعية دولهم، ووجب على السلطة حينئذ أن تردهم إلى وحدة الصف الوطنى الذى هو أول الفرائض وأوجب الواجبات، وعلى قوى الثورة والتجديد أن تتّحدَ فى سبيل تحقيق حُلمِها فى العدل والحريّة، وأن تتفادى النزاعات الطائفية أو العرقية أو المذهبية أو الدينية، حِفاظًا على نسيجها الوطنى، واحترامًا لحقوق المواطنة، وحَشدًا لجميع الطّاقات من أجل تحوُّل ديمقراطى يتمُّ لصالح الجميع، فى إطار من التّوافُق والانسجام الوطنى، ويهدف لبناء المستقبل على أساسٍ من المساواة والعدل، وبحيث لا تتحوَّلُ الثّورة إلى مغانم طائفية أو مذهبية، أو إثارة للحساسيات الدّينية، بل يتعيّن على الثوار والمجددِّين والمصلِحِين الحفاظ على مؤسسات دولهم، وعدم إهدار ثرواتها، أو التّفريط لصالح المتربِّصينَ، وتفادى الوقوع فى شرك الخلافات والمنافسات، والاستقواء بالقوى الطامعة فى أوطانهم أو استنزاف خيراتها.

وأكد أنه بناءً على هذه المبادئ الإسلامية والدستورية، المعبِّرَة عن جوهر الوَعْى الحضارىّ؛ فإن علماء الأزهر وقادة الفكر والثقافة يُعلنونَ مناصرتهم التّامة لإرادة الشعوب العربية فى التجديد والإصلاح ومجتمع الحرية والعدالة الاجتماعية، والتى انتصرت فى تونس ومصر وليبيا، ولا تزال محتدمة فى سوريا واليمن، ويدينون آلات القمع الوحشية التى تُحاول إطفاء جذوتها، ويَهيبونَ بالمجتمع العربى والإسلامى أن يتّخذ مبادرات حاسمةً وفعّالة لتأمين نجاحها بأقلِّ قَدْرٍ من الخسائر، تأكيدًا لحقِّ الشُعوب المطلق فى اختيار الحُكّام، وواجبِها فى تقويمهم مَنعًا للطُّغيان والفساد والاستغلال، فشرعيّةُ أيّة سُلطةٍ مرهونةٌ بإرادة الشّعب، وحقّ المعارضة الوطنيّة السّلمية غير المسلحة مكفولٌ فى التّشريع الإسلامى فى وجوب رفع الضّرَر، فضلاً عن كونه من صميم حقوق الإنسان فى المواثيق الدّولية جميعًا.



وتابع: يُناشدُ علماء الأزهر والمثقّفون المشاركون لهم النّظم العربيّة والإسلاميّة الحاكمة الحرص على المبادرة إلى تحقيق الإصلاح السياسى والاجتماعى والدستورى طَوْعًا، والبَدْء فى خَطَوات التّحوُّل الدِّيمقراطى، فصَحْوَةُ الشّعوب المضطهدة قادمة لا محالةَ، وليس بوسع حاكمٍ الآنَ أن يحجبَ عن شعبه شمس الحريّة، ومِن العار أن تظلَّ المنطقة العربية وبعض الدول الإسلامية قابعة دون سائر بلاد العالم فى دائرة التّخلُّف والقَهْر والطُّغيان، وأن يُنسَبَ ذلك ظُلمًا وزورًا إلى الإسلام وثقافته البريئة من هذا البُهتان، كما يتعيَّن على هذه الدُّوَل أن تشرع على الفَوْر فى الأخذ بأسباب النّهضة العلمية والتّقدُّم التكنولوجى والإنتاج المعرفى، واستثمار طاقاتها البشريّة وثرواتها الطبيعية خِدمةً لمواطنيها، وتحقيقًا لسعادة البشرية كلِّها.