مقالات

الانتماء إلى الوطن

الجمعة، 16 أبريل 2010 09:04 م

بقلم صلاح سليمان

ما هو الانتماء؟ وهل له تعريف محدد؟ وهل يمكن توصيف الانتماء إلى الوطن مثلا على أنه القوة التى يستمدها المواطن من قوة بلده ليتمتع بالثقة والاعتزاز، مما يجعله لا شعوريا يحس بالفخر والانتماء إلى هذا الوطن الذى جعل له كيانا محترما يفتخر به أمام الشعوب الأخرى.

إذا كان ذلك صحيحا فلماذا لا يزيد الانتماء فى مصر على كونه كلمة مطاطة يحلو لبعض المنتفعين من الإعلاميين التابعين، والمسئولين الحكوميين أن يتغنوا بها وقت الحاجة وعند اللزوم، دون أن يبدأوا هم أنفسهم بالمبادرة فى فعل ما يعزز الانتماء والشعور بحب الوطن لدى المواطنين، مثل الكشف عن قضايا الفساد، ومناهضة الاحتكار، وفضح ظاهرة الظلم الاجتماعى التى يعانى منها المجتمع المصرى بشدة.

يبدو الأمر مثيرا للأعصاب فى متابعة هذا النفاق الإعلامى المصاحب لظهور سياسيين الصف الأول فى أحداث معينة مثل الانتصارات الرياضية، أو افتتاح المشاريع الوهمية، والتى فيها تتجلى مهرجانات الحب لمصر بالكلمات والعبارات والدفوف والطبول، غير أن مصر فى وضعها الحالى لا تحتاج إلى هذا الزيف الإعلامى، والخداع الحكومى، بل هى تحتاج بشدة إلى الأفعال لا الأقوال، هى تحتاج إلى سواعد الأشداء من أبنائها، وإلى عقول الأذكياء من علمائها، لتنهض مرة أخرى من كبوتها التى طالت وطال معها سباتنا العميق.

يغيظنى مثلا هذا المذيع التليفزيونى وهو يتأرجح على كرسيه، متربعا فى برنامجه المسائى الممتد، ليتحول إلى واعظ سياسى حكومى يعطى للمشاهدين الدروس فى الوطنية وحب مصر ببضع كلمات لا تزيد على الكلمات التى تعلمناها جميعا فى مرحلة التعليم الابتدائى.

قبل أن يتشدق بالكلمات والأغانى عليه أن يستغل مساحة برنامجه الممتدة مثلا فى فضح الفساد المستشرى فى المجتمع، وإجراء التحقيقات التليفزيونية المتميزة لإظهار الحقائق، ومن ثم تنمية الشعور لدى المواطنين بأن هناك من يدافع عن قضاياهم الاجتماعية، لا أن يستضيف مرتشين وفاسدين يتحدثون عن مصر وحب مصر، وهم أكثر من شوه سمعة مصر، وإذا حدث ذلك فربما يكون له مردود قوى فى قضية الانتماء بديلا للتغنى بالشعر والأهازيج فى حب الوطن.

راقبت اشتباكا لفظيا فى أحد شوراع فرانكفورت ذات مرة، إذ كان شخص ما فى حالة سكر، وأخذ يطوح بيديه فى الهواء ويهذى بكلمات غير مفهومة، وعلى مقربة منه كانت تقف مجموعة من السياح اليابانيين ترقبه، ذلك عندما اصطدمت يده بأحد المارة الألمان مما أغاظ الأخير واستدار له على الفور وهو فى حالة غضب ووجه له جملة واحدة، قال فيها "عار عليك أن تكون ألمانى" وهى العبارة التى استوقفتنى كثيرا لأن فيها من الدلالة والتفسير للانتماء الشىء الكثير، إذا أن مجرد وصم شخص بالعار فى أن يحمل جنسية هذه البلد لمخالفة أخلاقية ارتكبها، يعنى الانتماء إلى أمة عظيمة يجب أن يحترم فيها بأخلاقه وتصرفاته قوة وشرف هذه الأمة.

وقوة وشرف الأمة تكمن فى رعاية مواطنيها أولا وقبل كل شىء سواء كانوا أطفالا أو كبارا ولا تتركهم بأى حال عرضة للقهر الاجتماعى مثل الفقر والمرض، إنما الدولة هى المواطن والمواطن هو الدولة، لذلك لا تجد أغانى وطنية وتعابير إنشائية وأناشيد غنائية تتغنى بها ألمانيا فى انتصارات ومشاريع وهمية.

* إعلامى مصرى مقيم فى ألمانيا