مقالات

عوانس من أجل التغيير

السبت، 08 نوفمبر 2008 12:00 م

بقلم يمنى مختار

جاءتنى وكل جزء من جسدها ينتفض، تحاول التماسك ومغالبة دموعها، تخرج الكلمات منها مبعثرة "لم أعد أحتمل المزيد، لم أعد أحتمل المزيد"، لتختفى بعدها كلماتها خلف نوبة من البكاء الشديد.

إطلالتها اليوم كانت مختلفة، لا تظهر على وجهها ابتسامتها المعتادة، أشارت إلى وجهها وقالت لى "لقد رسمت الدموع خريطة تجاعيد وجهى، لا يمكن أن يصدق أحد أننى لم أتجاوز الثالثة والثلاثين بعد".

الضغوط الشديدة التى تواجهها يوميا من أسرتها وخاصة مع كل عريس يدق الباب، تلازمها سلسلة من الإهانات التى لا حد لها، والتى تكتمل بمسلسل التقليل من الفتاة "إنت طالعة فيها على إيه؟"، ويفكر الوالدان فى مصير الفتاة إذا لم تتزوج، هل يكون مصيرها هو التنقل من بيت ذلك الأخ وتلك الأخت وكأن ليس من حقها أن تقرر مصيرها أو ترسم ملامح مستقبلها.

"أنا حاسة إنى بقيت زى قفص الطماطم المعروض فى السوق، كل شوية حد يفعص فيه ويمشى"، قالتها صديقتى بمرارة وهى تشعر بأن كرامتها تمتهن يوميا وإحساسها أنها مجرد سلعة لا تنال إعجاب الزبون فيذهب مظهراً امتعاضه.

تتشابه قصة صديقتى مع الكثير من الفتيات اللاتى مللن من السؤال اليومى، "إنت متجوزتيش ليه؟ وحتسيبى نفسك كده لحد إمتى"، وكأن القرار بيدها ليبدأ المحيطون فى التشكيك فى سلوكها، فلا بد أنها تخاف من انكشاف أمرها بعد الزواج أو على علاقة بشاب وفى انتظار أن يتقدم لها.
وإن لم تواجه بهذه الاتهامات، يظل الأهل يدفعونها للزواج لتتخلص من لقب عانس "المهم نستر البنت وظل راجل ولا ظل حيطة".

هل الأفضل أن تنتظر الفتاة الزوج المناسب حتى وإن تجاوز عمرها الثلاثين أم تحاول التخلص من شبح العنوسة بإلقاء نفسها أمام أول عرض زواج؟

إجابة الأبوين على هذا السؤال، تكون عنوان لسؤال آخر "ومتى ستتمكن من الإنجاب؟"، فالمرأة فى مجتمعنا لها مدة صلاحية معينة، إذا تجاوزتها أصبحت غير صالحة للاستخدام الآدمى، بينما الرجل لا يحكمه تاريخ صلاحية هو صالح لجميع الأزمنة، حتى إن كثيراً من الرجال الذين بلغوا الخامسة والأربعين يفضلن الزواج بإمرأة عشرينية وربما يكون ذلك هو أحد أسباب العنوسة.

ينظر المجتمع إلى الفتاة التى تأخر زواجها نظرة سلبية تتأرجح ما بين الشفقة الممزوجة بمصمصة الشفاه، "يا عينى عليكى يا بنتى" وما بين الخوف منها فهى لابد أن تكون حاقدة على المجتمع بأسره لأنها لم تتزوج فتبتعد عنها صديقاتها خوفا من العين الحسودة، كما تكون مادة خصبة جدا للسخرية فهى قليلة الحيلة ولم تنجح فى إيقاع أى رجل فى شباكها.

وفى بعض الأحيان يعتبرها الرجال فريسة سهلة، فهى إنسانة ولديها احتياجات ولا تستطيع إشباعها، ولا أنسى ذلك الحوار الذى أجرته إحدى الصحف مع أحد محترفى التحرش، حيث قال إنه يتعمد التحرش بالفتيات فى مرحلة الثلاثينات أملا فى أن يتجاوبن معه تلبية لاحتياجاتهن.

هكذا ينظر المجتمع إلى الفتاة العانس حتى وإن حصلت على أعلى الدرجات العلمية واحتلت أعلى المناصب لا يمكن أن ينصفها أبدا، حيث يعتبر نجاحها نوعاً من التعويض عما تفتقده فى حياتها من دفء الأسرة والأطفال، لقد وضع لنا المجتمع خط سير ورفض أن يخرج عنه أحد وإن تجرأ ورفض فلا بد أن يعاقب.

ما كم هذه المشاعر السلبية التى يوجهها المجتمع لبناته اللاتى يمكن أن يصبحن قوة فاعلة فى المجتمع، يعملن بكل طاقتهن على إصلاحه ودفعه إلى الأمام بدلا من النقمة عليه والانعزال عنه.

من هنا كانت فكرة إنشاء حركة عوانس من أجل التغيير، وهى حركة اجتماعية لا تجمع العوانس فحسب بل تضم كل المؤمنين بضرورة رفع الظلم الواقع على الفتاة التى تأخر زواجها لنحول معاً صورة العانس من تلك الصورة الخاطئة التى تحصرها فى تلك الفتاة القبيحة الحاقدة إلى فتاة ناجحة، قادرة على إعمار الأرض ليس من خلال الزواج فحسب، ولكن بالإمكانيات التى منحها الله إياها.

عوانس من أجل التغيير، لا تدعو الفتيات إلى هجر الزواج أو معاداة الرجال إنما تحاول إقناع المجتمع بتخفيف الضغط على الفتيات حتى لا يتزوجن لمجرد استبدال لقب عانس بمتزوجة، ودفع الفتيات إلى حياة ناجحة يمكن من خلالها المساهمة فى المجتمع وتدعو إلى مناقشة ثقافة الزواج فى مجتمعنا.

استطاعت الحركة استقطاب عدد كبير من قادة الرأى إلى جانبها، أبرزهم الإعلامية بثينة كامل التى تولت مسئولية التحدث باسم الحركة ودكتور أحمد عبد الله أستاذ الطب النفسى ودكتور وائل أبو هندى أستاذ الطب النفسى والداعية سعاد صالح، وجاء الوقت لندعو المزيد من الفتيات للاشتراك معنا من خلال جروب "عوانس من أجل التغيير" على الفيس بوك.

كلمة عانس رغم قسوتها، إلا أنها جزء من قاموس اللغة وتعنى الفتاة التى طال مكوثها فى بيت أبيها إلا أننى أتساءل دوماً عن المعيار الذى يتم من خلاله الحكم على الفتاة بتأخر الزواج، فهل يحمل الكتالوج تاريخاً بعينه إذا ما تعدته الفتاة تصبح عانساً أم أنها إنسانة ليس لها كتالوج ولا مدة صلاحية، ويحق لها أن ترسم حياتها كما تشاء دون أن تتعرض لكلمات المجتمع الجارحة؟؟