أخبار عالمية

"القرم" نقطة على الخريطة تهدد بإشعال حرب باردة جديدة بين روسيا والغرب

الجمعة، 21 مارس 2014 02:38 م

كتبت ريم عبد الحميد

صورة ارشيفية

عادة ما تشتعل الحروب الكبرى متعددة الأطراف فى العالم بسبب مصالح فى مناطق لا تكاد العين تلمحها على الخريطة، أو ربما بسبب دول ليس لها ثقل سياسى أو اقتصادى، فالحرب العالمية الأولى، التى غيرت الخريطة السياسية لأوروبا، نشبت بين دول القارة عندما أعلنت النمسا الحرب على صربيا على إثر أزمة دبلوماسية نشبت بين البلدين لاغتيال ولى العهد النمساوى وزوجته على يد طالب صربى أثناء زيارتهما لسراييفو.

أما الحرب العالمية الثانية فقد نشبت بسبب بولندا بعد اجتياح ألمانيا لها فى عام 1939، لتتوالى بعدها إعلان الحروب بين الدول العظمى فى العالم.

لذلك لا عجب من أن يخشى البعض أن تثير شبه جزيرة القرم، تلك المنطقة الصغيرة التى لا تتجاوز مساحتها 26 ألف كيلومتر"أى أقل من نصف مساحة سيناء" حربا عالمية جديدة بين روسيا والغرب، ليس بالضرورة حربا تقليدية بأسلحة تقليدية يسقط فيها ملايين البشر قتلى، كما كان الحال فى الحربين العالميتين، ولكن حربا أشبه بالحرب الباردة التى أثارت نزاعات وسباقات تسلح بين الشرق والغرب.

وكان عنوان "الحرب الباردة الجديدة تلوح فى الأفق" هو الأكثر تكرار فى الصحف العالمية خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة مع تطور الأزمة السياسية فى أوكرانيا وإعلان القرم انفصالها عنها وانضمامها إلى روسيا رغم تهديدات الغرب الجوفاء بفرض عقوبات على موسكو، وهى التهديدات التى لم يرتجف لها بوتين بالتأكيد ومضى سريعا فى خططه لتصبح القرم اليوم تابعة روسيا الاتحادية.

أما عن شبه الجزيرة التى تنذر بعاصفة عالمية، فإذا كان حاضرها مثير وأهميتها تكمن فى وجود مقر الأسطول الروسى فى البحر الأسود بها، فإن تاريخها أكثر إثارة، وحافل.. وتمتد شبه جزيرة القرم جغرافياً فى البحر الأسود، ولا تتصل بالبر إلا من خلال شريط ضيق من جهة الشمال. ويمتد من جهتها الشرقية شريط أرضى يكاد يتصل بالأراضى الروسية.

لم تصبح القرم جزءا من أوكرانيا إلا فى عام 1954، عندما قرر الزعيم السوفيتى نيكيتا خروتشوف، وهو أوكرانى الأصل، إهداءها إلى موطنه الأصلى. ولم يكن لهذا القرار آثار من الناحية العملية فى ظل الحقبة السوفيتية، لكن بعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتى عام 1991، أصبحت أوكرانيا دولة مستقلة وشبه جزيرة القرم جزءا منها. حتى على الرغم من حقيقة أن أكثر من 60% من سكانها يعتبرون أنفسهم من الروس، ولا يزالون يتحدثون اللغة الروسية وولائهم لموسكو وليس لكييف.

لكن هذا الارتباط بين القرم وروسيا ليس أزليا، فقد استولت روسيا على القرم فى أواخر القرن الثامن عشر، عندما طردت جيوش الإمبراطورة الروسية كاثرين العظمى تتار القرم، الذين كانوا متحالفين مع العثمانيين، وذلك بعد حروب دامت عقود ارتكبت فيها القوات الروسية مذابح وحشية ضد التتار المسلمين، والذين يشكلون اليوم أقلية معادية لموسكو فى القرم، وربما يكونوا محل انتباه فى الفترة القادمة مع عودة شبه الجزيرة على أحضان روسيا من جديد.

وكان التتار قد عانوا عندما قرر الزعيم السوفييتى جوزيف ستالين عام 1944 طردهم من المنطقة لتحالفهم مع النازيين خلال الحرب العالمية الثانية، ثم لم يلبثوا أن عادوا إليها ثانية بعد انهيار الاتحاد السوفيتى ويشكلون الآن نحو 12% من سكانها.

واللافت أن القرم ليست سوى مجرد فوهة بركان التوتر بين الغرب ولاسيما الولايات المتحدة وروسيا، فالصراع على النفوذ بين البلدين واضح جلى فى مناطق عدة فى العالم أبرزها سوريا التى لا تزال تواجه جمودا بسبب دعم موسكو للأسد فى وجه الغرب، وبات تراجع أمريكا أو على الأقل عجزها عن مصارع الدب الروسى أمرا مؤكدا فى ظل إدارة الرئيس الحالى بارك أوباما.

ومع انبعاث الأبخرة التى تنبئ بانفجار بركان الصراع الروسى الغربى خلال أزمة القرم، فيبدو أن مزيدا من الحمم قادم حيث تشير التحركات الروسية إلى أن بوتين لن يكتفى بتلك الرقعة الصغيرة التى نجح فى التهامها من أوكرانيا، وستمتد يديه لأخذ المزيد وهو يدرك أن الغرب ليس لديه، حتى الآن، أكثر من عقوبات واهية.

لكن يبدو أن ورقة الأقلية التتارية المسلمة فى شبه جزيرة القرم قد تصبح الكارت الذى يلعب به الغرب ضد بوتين فى الجولة القادمة. حيث تركز وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية اهتمامها بشدة على تلك الأقلية ومعاناتها مع روسيا ومخاوفها مما هو قادم.. فعلى سبيل المثال ذكرت صحيفة الجارديان فى افتتاحية عددها يوم الأربعاء الماضى بالفظائع التاريخية التى ارتكبها الروس ضد التتار، وقبلها صحيفة واشنطن بوست الأمريكية التى نشرت تقريرا الأسبوع الماضى قالت فيه إن التتار يستعدون للمواجهة من انضمام القرم على روسيا.